موسكو ومواجهة التداعيات

 مصطفى فحص

أعاد التدخل العسكري الروسي في سوريا بشار الأسد مرة جديدة إلى آخر سلم الأولويات الأميركية، وكشف عن رغبة صناع القرار الأميركي في الكونغرس والبنتاغون والمخابرات، في جر موسكو إلى الانغماس أكثر في المأزق السوري، فمنذ بداية الانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا، تتعرض إدارة باراك أوباما لضغوط داخلية جراء تصريحاتها المتناقضة، ما دفعها إلى زيادة الدعم العسكري النوعي للجيش الحر، ورفض التعاون الأمني والعسكري مع روسيا في سوريا.

فبالنسبة إلى صناع القرار الأميركي، النجاح في تعطيل فرص موسكو في التوصل إلى حل سياسي من شأنه أن يدفعها إلى مزيد من استخدام القوة، التي لن تقتصر مستقبلا على الضربات الجوية، حيث لم يعد مستبعدا إرسال موسكو لوحدات عسكرية برية للقتال إلى جانب النظام.

ليس سهلا على صناع القرار الأميركي القبول بمشهد عالمي تتصدر فيه موسكو الزعامة الدولية في الحرب على الإرهاب، أو القبول بتراجع الدور الدبلوماسي الأميركي مقابل الضجة السياسية التي تثيرها موسكو بعد تدخلها العسكري في سوريا، وحضورها الدبلوماسي الفاعل في عواصم القرار العربي، وتقديم فلاديمير بوتين كمحارب لحماية البشرية من خطر الإرهاب، بعدما أخفق المجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة في إعادة الاستقرار إلى المنطقة والعالم، وعليه فإن التوصيات التي قدمها كبار مستشاري مجلس الأمن القومي الأميركي للرئيس باراك أوباما بضرورة زيادة الانخراط الأميركي النوعي لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا، ليست إلا خطوة أميركية متأخرة لحفظ ماء وجه البيت الأبيض، الذي لم يزل حتى الآن متمسكا بسياسات التماهي مع مصالح إيران في العراق وسوريا بحجة احتوائها، على حساب الأمن القومي العربي، ومصالح واشنطن التاريخية في المنطقة.

والدفاع عن خيار انسحاب غير مبرر من الشرق الأوسط فسح المجال أمام تدخل سياسي عسكري روسي أدى إلى كسر الهيبة الأميركية.

لا يمكن لعقل الهيمنة الأميركي المنتصر في الحرب الباردة، المتمسك بالأحادية القطبية والمتفرد بالزعامة الدولية، السماح حتى لحلفائه التاريخيين بمنافسته على الساحة الدولية، فكيف إذا وجد نفسه في مواجهة مسألة روسية متجددة، مدفوعة بالحنين إلى الماضي، تحاول استغلال التراجع الأميركي المرحلي من أجل القفز فوق ثوابت الأمن الجماعي العالمي، الذي تحاول واشنطن ترسيخه وفقا لنظام مصالحها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وهي مستعدة للدفاع عنه ومعاقبة من يحاول التمرد عليه أو تغيير مساره؟ لكن يجد المدافعون عن فكرة التفوق الأميركي اليوم أنهم بمواجهة حالة تمرد روسية بدأت بضم القرم، وانتقلت إلى التدخل في سوريا والعراق وتحاول العبث بديموغرافيا الأقليات عبر إعادة إحياء أدبيات المسألة الشرقية، ما يتطلب دفع إدارة باراك أوباما إلى وقف سياسة التردد، واتخاذ خطوات نوعية من شأنها أن تعيد تحجيم دور موسكو.

فباتت فرضية تسليم المعارضة السورية صواريخ إحدى الأدوات الفعالة ضد موسكو، فكما كان لصواريخ «ستنغر» الدور الحاسم في هزيمة السوفيات في أفغانستان، لم يعد مستبعدا أن صواريخ مماثلة قد تساعد على ذلك، وفي حال استخدام هذه الصواريخ فإن الكرملين سيكون في مواجهة تداعيات لا تقل خطورة عن تداعيات أفغانستان.

وختاما ليس مستبعدا أن ينتظر السوريون 16 شهرا حتى يصل رئيس جديد إلى البيت الأبيض، يوافق على إعطائهم ما يمكنهم من مواجهة آلة النظام الجهنمية. قرار سيمكن واشنطن من استعادة هيبتها وهيمنتها، بعد فوضى عالمية تسبب فيها سوء إدارة باراك أوباما.

أخبار سوريا ميكرو سيريا