لماذا يدافع شيعة العراق عن بشار الأسد

  أسعد البصيري

أغمض عينيك رجاء، وتخيل بأنك ذلك الشيعي العشريني من محافظة ذي قار خريف 1980. قالوا لك إن العروبة أهم شيء بالوجود بل حتى أهم من الإسلام نفسه، لهذا يجب أن تضحي بحياتك ضد الخميني الدجال، وتفقد ساقك، لا مشكلة فالعروبة أهم من ساقك. بعد نهاية الحرب مع إيران يدخل صدام حسين الكويت ويخرج بهزيمة حزينة. حصار تجوع فيه بناتك وتموت حفيدتك لنقص الدواء، ولا توجد دولة عربية تدخل الخبز لأطفال العراق طوال 12 سنة، وكلما لاح أمل برفع الحصار تلوّح الكويت بالمزيد من العقاب والحصار.

كان الشيعي يهرب إلى العلوي حافظ الأسد فيأكل ويشبع، ويسافر إلى الغرب عن طريق الأمم المتحدة. مسموح للعراقي دخول سوريا “تهريب” بلا جواز، لا مشكلة فقط يعبر الخابور أو سيرا على الأقدام إلى البوكمال. وكذلك إيران كانت تفتح حدودها للحرمان العراقي بلا أوراق فيدخل ويعمل بحقول الأحواز أو ميناء بندر عباس أو مطاعم قم، “عراقي هستي خوش أومدي، بچا عراغ بدبخت”، هكذا يقولون رغم أنك من بلاد ذبحت منهم نصف مليون إيراني لأن عندهم مشروعا أهم من الأحقاد.

أما إذا سولت لك نفسك الجائعة ودخلت بشكل غير قانوني أي دولة عربية “سنية”، فستقبض عليك الأجهزة الأمنية بتهمة الإرهاب والتخريب والتجسس، وأنت محظوظ إذا سلموك للمخابرات العراقية؟

لم يكن بيد الشيعة قرار الحرب على الخميني ولا احتلال الكويت. لو أنت هذا الشيعي الذي فقد ساقه في سبيل العروبة ضد إمام عزيز على وجدانه هو الخميني؟ وجاءتك السلطة بعد ذل وحصار لا ذنب لطائفتك فيه، هل تتبع السيستاني وخامنئي والأسد أم تتبع العرب؟ هل تتبع الذين أطعموك أم تتبع الذين جوعوك؟ هل العروبة تعني لك شيئا سوى الخوف والحصار؟

أيام الحصار على العراق كانت سوريا تستقبل والحسينيات تساعد العراقيين، والسفارة الإيرانية توزع الطعام على العوائل، بل كانت السفارة تزود محلات كبيرة بالحصص الغذائية المجانية على قائمات مسجلة بأسماء العوائل العراقية المهاجرة. أما الحكومة السورية فكانت تحرض الأمم المتحدة لقبول أكبر عدد من العراقيين وتسهل عملية استلامهم الرواتب والمخصصات والسفر. أما الإعلام الخليجي حينها فقد كان منشغلا بتحسين العلاقات مع الرئيسين خاتمي وأحمدي نجاد، وكان ينشر مقالات تتحدث عن العدوان العراقي على الجارة المسلمة إيران.

في ذلك الحين كان حافظ الأسد يستر على العراقيات، فلم نسمع في سوريا لسنوات بعراقية تأكل بثدييها. كانت السمعة طيبة بدعم من الحكومة، وبتبرعات كبيرة من شيعة الخليج، وليس كما حدث للعراقيات الجائعات بالأردن أيام الحصار والفقر.

الخطباء في الحسينيات بسوريا كانوا يقولون إذا تريدون حصار العراقيين لا بأس، ولكننا لا نجوع شيعة علي بن أبي طالب. هكذا اشتغل الفرس المجوس، سياسة طويلة حتى تمكنوا. ويتساءل البعض لماذا يحارب الشيعي العراقي دفاعا عن الأسد. نعم يقاتلون لأن أئمتهم قد علموهم بأن الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك.

السيد باقر الزبيدي “صولاغ” مهندس فرق الموت الذي يرتعد منه سنة بغداد كان في سوريا، والسيد نوري المالكي كان في سوريا أيضاً. كان المعارضون يفتحون مدارس دينية وحسينيات وصحفا ومجلات. الذي يصلي تراه في السيدة زينب، والذي يسكر ينزل إلى بارات الشام، والمساعدات للعوائل العراقية من إيران وشيعة الخليج وسوريا وأثرياء العراق، ولم نسمع بعراقيات يبعن سمعتهن حتى خرج رجالات النظام السابق بأموالهم إلى دمشق بعد سقوط بغداد، فتحوا ملاه ليلية ملأوها بالعراقيات “جنة جنة يا وطنه” والرقص طوال الليل وفي الصباح نضال قومي وشتم للمجوس.

كيف يمكن للمالكي أن يكسب بعض الوجهاء السنة بسهولة لصالح مشروع صفوي معاد للعرب؟ القضية بسيطة فما عليه إلا أن يذكرهم بالحصار الاقتصادي الذي أهلك الحرث والنسل في العراق من عام 1991 وحتى 2003 وكيف أن سوريا وإيران كانت حدودهما مفتوحة للعراقيين، ويدعوان رسميا لرفع الحصار رغم عدائهما التقليدي لصدام حسين، بينما استمرت بعض الدول العربية تضغط لسنوات طويلة من أجل استمرار الطوى والرمادة. وكم قتل داعش المزعوم مقارنة بما قتل الحصار؟

هذا هو الخطاب الذي يستخدمه الشيعة لكسب السنة ضد العرب. يذكرهم المالكي بأطفال العرب المتوردة وجوههم من النعمة في التسعينات من القرن الماضي، وبأطفال العراق المعزولين عن العالم ينتظرون الحصة التموينية والدقيق المخلوط بالتراب والحصى. تقول سيدة بأنها لن تنسى أبداً كيف أن طلاب جامعة بغداد يأكلون “الچمري الأخضر” ما يتساقط من النخلة قبل أن ينضج من الجوع.

ماذا تعني الكويت بالنسبة للعراقي؟ إنها تعني العقوبات الدولية وبيع أبواب البيوت وشبابيكها لشراء حليب الأطفال والسمن، وتعني كذلك تلك المقولة الشهيرة “اللهم لا تبق حجرا على حجر”. اليوم الكويت تقبض على متبرعين كويتيين بالمال للدواعش، وعلى مشجب للأسلحة الشيعية، وتلغي إقامات بلا محاكمات، وتسقط الجنسيات بالجملة، واقتصادها معتل لماذا؟ لابد أن هناك سببا لذلك أليس كذلك؟

إن الشعوب تمتلك ذاكرة ولهذا السبب لا يمكن للعرب التخلي عن مسؤولياتهم، فكما قال الشيخ الحكيم محمد بن راشد آل مكتوم قبل يومين “إن النظرة الشاملة للمنطقة، التي تراها كجسم واحد رغم اختلاف الأعضاء، هي التي توضح رؤية دولة الإمارات إلى أن أي خطأ جسيم في الجغرافية السياسية للمنطقة، لا تكون عواقبه الوخيمة فردية”. وقبل الجميع كانت دولة الإمارات أولى الدول التي نبهت لمخاطر حصار العراق واحتلاله.

ويبدو أن التحالف بين العرب والغرب يتفكك بعوامل تاريخية خارجة عن إرادة الأفراد وأمزجتهم، فما هو هذا التحالف الذي نتيجته احتلال بغداد وتقديمها دانية قطوفها إلى إيران. المضحك أن رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير يعتذر عن المشاركة في احتلال العراق، بينما الكتاب العرب الذين شجعوا على احتلال بلادي يحذروننا اليوم من خطر داعش. الخطاب العربي كله في أزمة حقيقية. ثقافتنا لأول مرة وجها لوجه أمام مشكلة التبعية للأجنبي، والأجنبي يغير رأيه ويعتذر بحرية وهم في حيرة.

وما هي داعش؟ حين يضغط المشروع الصفوي بقوة على السنة ويأتي الخبر الحزين من العرب، بأنهم لا يمتلكون حلولا، تظهر عندها بحكم الضرورة مشاريع مضادة لملء الفراغ.

الرئيس الراحل حافظ الأسد ساعد شيعة العراق حين كانوا مطاردين وجائعين وسمح لهم بممارسة العمل السياسي والديني والثقافي. وكذلك إيران فعلت الشيء نفسه وما العامري والحكيم والغبان وحسن السنيد والشهرستاني وغيرهم من الذين يحكمون العراق اليوم إلا دليل آخر على تلك العناية والتدريب الإيراني.

لا يمكننا اليوم أن نطالب الشيعة بوقف دعمهم للرئيس بشار الأسد، المطلوب هو أن يتحمل العرب واجباتهم تجاه العراق وسوريا، فالمصير هو كما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “المنطقة اليوم كما نراها على محك تاريخي، وعند مفترق طرق حضاري” وهذا وصف مختصر وشامل للتحدي الوجودي الذي نعيشه.

يا عراقْ

ربَّما آخرُ الصَّوتِ هذا

بعدَهُ يُرفَعُ الملكوتْ

من يُراهنْ على جوعِ أهلِ العراقْ

زادُهُم صبرُهمْ

وهوَ ملء البيوتْ

عبد الرزاق عبد الواحد

المصدر: العرب

أخبار سوريا ميكرو سيريا