موسكو والفجوة بين التصريحات والتحركات

  محمد برهومة

تعتقد قيادات سوريّة معارضة أنه يصعب أخذُ تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، والتي قالت فيها إن “موسكو لا ترى بقاء بشار الأسد في السلطة مسألة مبدأ”، على محمل الجدّ؛ لأنّ هذه القيادات سمعت كلاماً مشابهاً من المسؤولين الروس منذ “موسكو 1” و”موسكو 2″، وما دام أنّ ما يجري على الأرض من سياسات وتحركات يخالف هذه التصريحات، فإنها تبقى في سياق المناورة، وقد تعكس شيئاً من التردد والارتباك. موسكو مرتبكة في تحديد رؤيتها للحل السياسي في سورية عبر ارتباكها في تحديد المعارضة السورية التي تريدها. سمعنا المسؤولين الروس يقولون: دلونا أين هو الجيش الحر، وأين هي مواقعه لنتحاور معه. فجاء الرد من هذا الجيش، كما تقول قيادات المعارضة، من خلال ما سمي “مجزرة الدبابات” ضد قوات النظام السوري في تشرين (الأول) أكتوبر الماضي في ريف حماة. حتى اللحظة، لا ندري هل تريد موسكو أن تكون المعارضة السورية المعتدلة شريكاً في العملية السياسية، أم مجرد طرف وطيف من قوس قزح واسع؟ هل نحن أمام تفكير روسي يتطلع إلى عملية سياسية تتميز بالاستدامة والتوازن وتوافر الثقة، أم أن نية الحكومة الروسية في جمع أكبر قدر من أطياف المعارضة يستهدف إذابة النفوذ المسيطر للجيش الحر والائتلاف السوري وضرب وثيقة “جنيف1” التي تتحدث عن طرفين (نظام-معارضة) كوثيقة معتمدة في القانون الدولي، أم أنّ موسكو في طور الاستفادة من تجربة “موسكو 1” و”موسكو 2″؛ حيث إن التقليل من أهمية الجيش الحر والائتلاف كان عنصراً أساسيا في فشل تلك الجولتين من المباحثات؟ الجدل حول المناورات والتكتيات الروسية يتعدى ذلك إلى مسألة تأثير الحراك الروسي، العسكري والسياسي، في العلاقة الإيرانية-الروسية، خصوصاً ونحن نقرأ تصريحات مسؤولين كبار في الحرس الثوري الإيراني تقول إن موسكو “ربما لا تهتم بما إذا كان الأسد سيبقى في السلطة بقدر اهتمام إيران”. فإذا كان ما عبّرت عنه ماريا زاخاروفا يعكس بالفعل التوجهات الروسية، فلماذا ضنّتْ موسكو بهذا الطرح في مباحثات فيينا؟ لمَ لم تقدم هذه الرؤية، التي كان معظم من حضر المباحثات ينتظر سماعها، ما كان من شأنه، لو تمّ، أن يعطي مزيداً من الجدية لتلك المباحثات وللموقف الروسي أيضاً؟ الجدل بين المراقبين والمحللين منتشر بشأن التباينات بين منطلقات الرؤية الروسية والإيرانية حيال سورية والأسد، والجدل شائع عن تباين في شبكة المصالح بناء على انطلاق موسكو من رؤية جيو-سياسية بخلاف تصدّر الرؤية الأيديولوجية والمحددات الطائفية لموقف طهران. لكنّ هذا لا يكفي لإزالة الشكوك والهواجس التي ترى أن اختلاف المنطلقات لم يمنع موسكو وطهران من الاتفاق حتى الآن على بقاء الأسد في منصبه وتعويمه، وإضعاف المعارضة المعتدلة؛ لإفشال الحديث عن بديل سياسي عن الأسد مقبول دولياً. هذا التكتيك الروسي، ربما، هو ما يدفع الرياض للتلويح بأن الخيار العسكري لتغيير الأسد مطروح على الطاولة في حال استمرار الفشل السياسي والإمعان في مناورات التذاكي. وبالتأكيد أن هذا التوجّه قد ضُخ فيه مزيد من الدماء بفوز حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة. وعند الحديث عن الخيار العسكري، تُستدعى صواريخ “تاو”. وسيكون ثمة انعطافة نوعية في حال استخدمت المعارضة العسكرية السورية صواريخ مضادة للطائرات، وحتى لو كانت خطوة صعبة حالياً ومكلفة سياساً، لكنها ممكنة إذا ما أرادت واشنطن توجيه رسالة إلى موسكو بأن الأخيرة ليست هي صاحبة اليد الطولى في سورية؛ كما يودّ بوتين أنْ يوحي للغرب وللأميركيين خصوصاً.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا