استقرار الإنجاز.. واستقرار الإرهاب

منار الرشواني

منذ الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تركيا، نتيجة الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات حزيران (يونيو) الماضي، لم يكد يظهر استطلاع رأي عام يُعتد به يشير إلى توقع تغير جوهري يحمله اقتراع 1 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي. واليوم، فإن ثمة إجماعا تقريباً على أن استعادة حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة، بـ317 مقعداً من مقاعد البرلمان التركي البالغة 550 مقعداً، لم تكن مفاجأة للمراقبين والمختصين فحسب، بل وحتى لـ”العدالة والتنمية” ذاته. المفارقة أن كلمة السر في هذه المفاجأة، والتي كررها الرئيس التركي ورمز “العدالة والتنمية” رجب طيب أردوغان كثيراً بعد الفوز الكبير، هي “الاستقرار”. ووجه المفارقة أن “الاستقرار” هو أيضاً الذريعة التي استخدمت للدفاع عن الأوضاع القائمة في العالم العربي منذ عقود، ولاحقاً -مع اندلاع “الربيع العربي”- للدفاع عن الثورات المضادة، والتنكيل بالشعوب، قتلاً واعتقالاً وتهجيراً. طبعاً، تبدو أولى تجليات المفارقة بين الحالة التركية وحالة أغلب الدول العربية، في أن الأتراك اختاروا الاستقرار عبر انتخابات حرة ونزيهة، لم يطعن في شرعيتها (وهذه مفارقة أخرى) إلا أنظمة “الممانعة والمقاومة” المستبدة وليس الأحزاب التركية الخاسرة! فيما “الاستقرار” الذي يستخدمه أنصار الاستبداد العربي لا يعبر عنه إلا بقمع كل حرية وحق، بأي شكل ودرجة، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي! وهذه الحقيقة الأخيرة، تكشف بدورها، وتلقائياً، عن التناقض بين جوهر الاستقرارين السابقين. فالاستقرار الموعود عربياً من أنظمة الاستبداد والثورات المضادة، كما يظهر علناً وبلا أدنى مجال للجدل، هو “استقرار إرهاب”: بحق المواطنين تاريخياً؛ عبر زج أكبر عدد منهم في السجون إن لم يسعفهم الفرار إلى المنافي، وصولاً إلى الجرائم الجماعية بحق المطالبين بشيء من حرية وكرامة. ويُضاف إلى ذلك اليوم “الإرهاب من البديل” (لكأن ثمة بديل أسوأ!). على النقيض من ذلك تماماً، وكما هو ظاهر علناً أيضاً وبلا أدنى مجال للجدل، فإن الاستقرار التركي، الذي دفع أكثر من أربعة ملايين مواطن إلى تغيير موقفهم من “العدالة والتنمية”، خلال أقل من خمسة أشهر، والعودة للتصويت له، هو “استقرار إنجاز” حققه الحزب منذ توليه السلطة في العام 2002، ويأمل الشعب التركي الحفاظ عليه. وهو ليس فقط استقراراً على صعيد النمو الاقتصادي الذي أهل تركيا لأن تكون عضواً في مجموعة “العشرين الكبار” على مستوى العالم، بل أيضاً على صعيد السعي إلى إنهاء الصراع مع الأكراد، الذين يبدو أنهم صاروا الرابح الثابت في الانتخابات التركية، نتيجة إصلاحات “العدالة والتنمية” خلال الفترة السابقة. ومفيد التذكير أنها ليست المرة الأولى التي ينتصر فيها “العدالة والتنمية” بفضل “استقرار الإنجاز”؛ إذ كانت المرة الأولى في تموز (يوليو) 2008، في مواجهة المحكمة الدستورية “العلمانية” تماماً؛ وذلك حين لم تستطع هذه المحكمة -بخلاف كل التوقعات- تأمين 7 أصوات من أعضائها الأحد عشر لحظر الحزب، خشية على الاستقرار الذي كان تحقق طوال الفترة 2002-2008، لربما لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث. طبعاً، يمكن أن يُقال الكثير عن أردوغان ونزعته اليوم إلى الفردية أو حتى التسلط، وكذلك قدرة تركيا على مواصلة نجاحها الاقتصادي-التنموي، لأسباب ذاتية أو خارجية. لكن ما لا يقبل الجدل، هو أن “استقرار الإرهاب” الذي تروجه الأنظمة المستبدة، ليس يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار وتعدد مصادر الإرهاب، بما يشبه انتشار السرطان. فما نراه في سورية والعراق وليبيا واليمن، حتى وإن سماه البعض “مؤامرة كونية!”، تُسأل عنه الأنظمة وحدها التي استأثرت بالسلطة عقوداً، فقط لتفقر الإنسان هناك على كل صعيد؛ إنسانياً قبل إفقاره حتى اقتصادياً.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا