الأطفال السوريون على أبواب أميّة جيل


47

خاص / ميكروسيريا

لم يعد للموت شكل واحد يحيق بالسوريين فرادى أو جماعات، بل بات الموت رقماً إحصائياً قد ينتظره البعض كل مساء، ويتخطاه آخرون كثر لهول الكارثة، وبذات القدر لم تعد الأحاديث عن الموت ذات طابع مفاجىء للكثيرين، فقد تقرأ كل يوم آلاف المنشورات التي تنعي الضحايا الشهداء، دونما رغبة بواجب العزاء، سوى تعليقات مماثلة وأحياناً “لايك” سريع، فمن قضى قضى في درب الحرية الطويل، لكن الكارثة تلك التي تحيق بالمنتظرين الكثر على قائمة الغياب، وأخطر ما فيها أن ترسل أحدهم إلى الموت بيديك ثم تجلس فتبكي عليه، وهو ماتفعله الحكومة السورية المؤقتة بامتياز كل يوم، على اختلاف وزارتها الهشة، وسوء الإدارات المتعاقبة، سواء ما تعلق منها بالأزمات أو ذاك المتعلق بالتخطيط العام.

فالحكومة التي لم تنجح في أن تكون حكومة حقيقية تواكب الثورة، فتستحق قيادتها، لم تنجح أيضاً في إنقاذ من بقي من السوريين بإدارة ملفاتهم الاقتصادية والتعليمية، التي قد تضمن لهم عيشاً أشبه مايكون بالطبيعي، بدءاٌ من إدارتها لأزمة القمح، وإيصال رغيف الخبز في المناطق المحررة، وصولاً إلى إرسال جيش كامل من الأطفال إلى الجحيم، جراء فشل سياساتها في الإحاطة بالعملية التعليمية، ووقف نزيف التسرب من المدارس ونشر الجهل بين صفوف الأطفال، ومآلات ذلك على مستقبل جيل كامل يفترض أنه المعول عليه في سوريا بعد الأسد.

وتتتالى التقارير الصحفية الصادرة عن منظمات دولية تعنى بشؤون التعليم، كاشفة عن القصور الفادح للحكومة بحق إيجاد السياسات الكفيلة بتعليم أطفال السوريين وكان أخرها ماكشفت عنه منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها اليوم، حول أن أكثر من 400 ألف طفل سوري في تركيا فقط، باتوا خارج حسابات العملية التعليمية، من أصل 700 ألف طالب كان من المنتظر أن يلتحقوا بالمدارس خلال هذا العام، عازية ذلك إلى قلة المدارس وصعوبات اقتصادية تعوق إكمال الأطفال لتعليمهم، إضافة إلى عوائق أخرى تتمثل في صعوبات الالتحاق بالمدارس التركية كاختلاف اللغة.

وبالعودة إلى الإحصائيات الصحفية المبعثرة التي ترصد واقع التعليم للسوريين، ففي تركيا مايقارب 230 مدرسة سورية منتشرة في العديد من الأقاليم التركية، يعتمد معظمها في ريعه على التبرعات، في حين جاءت جهود وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، دون المتواضعة، فهي لم تقم بافتتاح مدارس جديدة توازي حاجة الأطفال السوريين إلى التعليم، ولم تلتفت إلى رفد هذه المدارس بالكوادر التدريسية الملائمة ، أومعالجة أجور المدرسين الغير مختصين في معظمهم أصلاً، رغم عشرات المنظمات المنتشرة في تركيا والمختصة بدعم التعليم، فأين جهود الوزارة في التشبيك مع هذه المنظمات؟ وأين الأموال التي تجمع باسم السوريين وأطفالهم؟.

يتساءل البعض هل تحتاج العملية التعليمية إلى هذه الصفقات الخلبية التي تعقد مرة باسم طباعة المناهج ومرة باسم صيانة المدارس، في حين تجهز مكاتب الوزارة بتجهيزات فاخرة تكفي لبناء مدرسة بأكملها؟، في ظل غياب أي جهد حقيقي في دعم تعليم الأطفال السوريين، والاكتفاء بإرسالهم إلى المجهول.

ولئن كان حال العملية التعليمية في دول الجوار كذلك، فما هو الحال في المناطق المحررة التي يعاني الناس فيها أضعافاً مضاعفة من هول الموت والفقر، هل تعي الحكومة السورية المؤقتة حقيقة هذه الكارثة التي توازي بكل المعايير موت السوريين بأشكال أخرى؟ أسئلة كثيرة بات على الحكومة الإجابة عليها، كخطوة أولى لحلها، وإلا فإن السوريين أمام كارثة حقيقية جديدة قد توقع الكثير من أبناءهم في غياهب الجهل والأمية.