السوريون في أوروبا.. هل انتهت شهور العسل؟


6f2da78b-86da-42ff-99d1-f018ee1f61faRHB90آدم ملحم

لم تكد شهور العسل القليلة التي عاشها اللاجئون السوريون في أوروبا تبدأ، حتى تنتهي، معلنة عن أيام صعبة سيعيشها اللاجئون السوريون على ما يبدو، في منافيهم الجديدة التي اختاروها هرباً من جحيم الأسد، والمعاناة في مخيمات اللجوء في الدول المحاذية لوطنهم، قاطعين في سبيلها البحر، ومتكبدين عذابات الطريق، ظناً بأنهم سيكونون بمنأى عن التغييرات السياسية التي قد تعصف بمستقبلهم في الدول الجديدة التي وصلوا إليها.

وللوهلة الأولى يبدو أن لنهايات لشهر العسل ما يبرره لدى الأوروبيين الذين وجدوا في هذا الشكل الكبير من الهجرة الجماعية، ما يهدد ثقافتهم الأصلية، وألمحوا مراراً إلى أثر هؤلاء المهاجرين في تغيير كنه الثقافة الأصلية لهم، مبدين خوفهم من ثقافة أصولية داعشية قد يحملها هؤلاء إلى بلادهم، عدا عن الآثار الاقتصادية على بلدانهم التي قد يخلفها هؤلاء، وشيئاً فشيئاً راحت أزمة اللجوء إلى أوروبا تأخذ حيزاً كبيراً من قضايا الرأي العام هناك، أسهمت بلا شك وسائل الإعلام إسهاماً قاطعاً في صنعه وتضخيمه، فاللاجئون في العناوين الأولى من نشرات الأخبار، والبرامج المتلفزة ، ومن أجلهم راحت تعقد القمم الاوروبية الطارئة، وتجترع الحلول، في وقت غابت فيه هذه القمم عن رؤية لحل قضيتهم الحقيقية المتمثلة بوقف دعم النظام في بلدهم الذي لم يدخر جهداً بابتداع أساليب شتى من الموت أحاقهم بها.

لكن حقيقة الأمر قد تبدو مغايرة بعض الشيء، فالأزمة ليست الأولى من نوعها، إذ يلمح التاريخ إلى أزمات مشابهة “إن صح تسميتها بالأزمة” عاشتها الدول الأوروبية منذ نهايات الحرب العالمية الثانية مرات عدة، دون أن تصورها بهذا الشكل كاميرات الإعلام، وتنقلها أقلام الصحافة، أيام الهجرة الجماعية لدول البلقان، وبعدها إبان غزو العراق ونزوح ملايين العراقيين، لكن مايبدو جديداً فعلاً هو التعاطي الإعلامي غير المسبوق مع أزمة اللجوء من بابها السوري، رغم ماتلمح من عشرات المؤشرات التي تصدر عن مراكز دوائر الهجرة في العديد من دول أوروبا ما تثبت بما لايدع مجالاً للشك، أن الكثير من الجنسيات الأخرى تسلقت الموجة واندست بين السوريين متسللة إلى أوروبا طمعاُ في حياة أفضل، وأن حضور الجنسية السورية متواضع إذا ماقورن بغيره من الجنسيات الأخرى كالأفغان ودول البلقان وغيرهم.

ولم تكن الأزمة واضحة بهذه الصورة إلا منذ صيف العام الحالي، الذي يصادف صيف السوريين الخامس بعد اندلاع ثورتهم عقب تكرر حوادث الغرق التي راح ضحيتها الآلاف، وحوداث الاختناق في الشاحنات الناقلة للاجئين على أبواب الحدود الأوروبية، حينها انطلق الرأي العام الأوروبي ضاغطاً على الحكومات باتجاه تحمل المسؤولية الأخلاقية، عن حياة هؤلاء الذين أنهكتهم الحرب في بلادهم، وحزموا أمتعتهم إلى الحدود الأوروبية، فتتالت المظاهرات المؤيدة لقدوم الاجئين، وفتحت الحدود بشكل بات الوصول به إلى أوروبا أقل عناء مازاد في تدفق اللاجئين عموماً والسوريون خصوصاَ الذي رأوا في طول أمد الصراع، مايدعم فقدانهم للأمل،وحينها كان السوريون في أوروبا كالطفل المدلل، الذي يهب الجميع لمساعدته، فسهلت قوانين اللجوء، في المانيا مثلاً الغي العمل باتفاقية دبلن للسوريين خاصة، تلك الاتفاقية التي تنص على مسؤولية الدولة الأولى التي يمر بها اللاجىء عن ملف لجوئه، وقالت التصريحات الرسمية حينها أن المانيا تعتزم استقبال 800 الف لاجىء سوري.

مع نهاية الصيف بدا الأمر وكان شهر العسل قد انتهى، وعادت أزمة اللجوء إلى واجهة الأحداث الأوروبية ولكن هذه المرة بصورة مغايرة تماماً،فيما بدى أن أوروبا ضاقت ذرعاً بهذا اللجوء، وسط تصريحات متتالية عن أن أزمة اللاجئين هي أزمة القرن بلا منازع، وأن أوروبا تقف عاجزة أمام هذا التدفق الهائل، وبالتزامن مع ذلك صعدت موجة اليمين المتطرف في أوروبا، من اعتدائاتها على مراكو ايواء اللاجئين في العديد من الدول الاوروبية، وسارعت بعض الحكومات الى محاولة احتواء الأزمة، من خلال سن قرارات جديدة، أكثر صرامة وأقل تسامحاً، في الدانمارك خفضت المساعدات الاجتماعية إلى النصف، في السويد سنت الحكومة قانوناً جديداً يغير شكل الحماية الممنوحة للاجئين السوريين، وراحت تلوح به وبإمكانية تطبيقه في أي وقت، في هولندا أيضاً قانون جديد يحد من حرية سكن اللاجىء، في حين تجري مشاورات حثيثة داخل الائتلاف الحاكم في المانيا حول منع السوريين من حق لم الشمل لأسرهم، وسجلت الشرطة الأوروبية في العديد من الدول عشرات الاعتداءات على مراكز ايواء اللاجئين، فيما بدا وكأن حركات اليميين باتت تحظى بتأييد كبير في الشارع تلك الحركات التي تتهم باستغلالها لأزمة اللاجئين لتصفية حسابات سياسية في أوطانها.

وتعكس هذه الإجراءات والمشاورات في مجملها تغييراً عاماً واضحاً في المزاج الاوروبي حيال قضايا الهجرة عموماً والسوريون خصوصاً، وتلمح بعض الحكومات صراحة إلى أن اختلاف نوعي بين المهاجرين الذين وصلوا أوروبا صيف هذا العام، وبين من سبقهم في سنوات الحرب السورية الأولى، يتمثل في أن المهاجرين الجدد أقل احتراماً للقوانين الأوروبية وأكثر فوضوية، “على ماوصفهم وزير الداخلية الألماني في أحد تصريحاته الصحفية”.

ولاتخفي تلك التصريحات أن المهاجرين الجدد أقل حاجة للحماية فمعظمهم جاء من المخيمات الموجودة في الجوار السوري،تلك المخيمات التي يقول الأوروبيون أنهم يدعمونها بالمال، ولعل في ذلك مايشير إلى زيارة المستشارة الألمانية إلى تركيا وعرضها تقديم مساعدات مالية مقابل أيواء اللاجئين، كل ذلك يجعل الأيام القادمة على السوريين أكثر مرارة، وهم ينتظرون مستقبلاً مجهولاً في بلاد القارة العجوز، في ظل إطالة عمر النظام السوري، وعجز المجتمع الدولي عن إيجاد صيغة ملائمة تساعد السوريين حقيقية على حل مشكلاتهم من جذورها.