مليشيا الباسيج ونظام السيطرة الاجتماعية في إيران

عرض/مرح البقاعي: الجزيرة نت “مجتمع أسير” لكاتبه سعيد جولكار هو أول مؤلف موسع يعرض دراسة متكاملة الأطراف عن منظمة الباسيج الإيرانية ودورها المتغلغل في خفايا مراكز القرار السياسي والنسيج المجتمعي في إيران. فالكتاب يطرح دراسة موضوعية وشاملة للبنية التنظيمية لمنظمة الباسيج، وللخلفية الاجتماعية والسياسية لأعضائها، والتدريب السياسي والعسكري والعقائدي الذي يخضعون له ودورهم الأمني المرسوم، وآليات البروباغاندا التي تتبعها المنظمة لقمع المجتمع الإيراني. هذا الوصف الأكاديمي الرصين للكتاب هو ما خطه أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة جورج ميسن البروفيسور شاؤول بخاش متلمسا تفاصيل كتاب الزميل الأكاديمي مؤلف الكتاب البروفيسور سعيد جولكار. يقول سعيد جولكار -وهو الأستاذ الجامعي الأسبق في جامعة طهران خلال العام 2004- وكان قد وصل إلى الولايات المتحدة في العام 2010 ليتابع أبحاثه العلمية ما بعد درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد “من المتوقع أن طالبا إيرانيا واحدا من بين كل ثلاثة طلاب يمكن أن يكون عضوا فاعلا ومدربا في مليشيا الباسيج، وهذا يعود إلى قانون نافذ في إيران يخصص نسبة 40% من المقاعد الجامعية لأعضاء هذه المليشيا”. كتاب جولكار يضم مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجراها في طهران قبل وصوله إلى الولايات المتحدة ليجد أن الأميركيين لا يعرفون إلا القليل عن هذه المنظمة التي هي من بين الأكثر تأثيرا في الحياة السياسية والمجتمعية بإيران، وهي المليشيا الممولة مباشرة ورسميا من الدولة في إيران. فلا توجد دراسات عن فعالياتها وآلياتها التي تعمل بها، ولا حتى أدنى فكرة عن الخلفية السوسولوجية لأعضائها، تلك المليشيا التي باغتت الشارع الإيراني في العام 2009 حيث أشبعت المتظاهرين الذين رفضوا نتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك العام قمعا وعنفا واستهدافا بالرصاص الحي. من هم الباسيجيون؟ يقول جولكار في كتابه مفندا الخلفيات الاجتماعية للباسيجيين “معظم الأميركيين الإيرانيين غادروا إيران في أغلب الأحوال على إثر وصول الخميني إلى إيران عائدا من منفاه في فرنسا، وهذه مشكلة أساسية يواجهونها لأنهم لا يعرفون تماما طبيعة الحياة بالمناطق الفقيرة في إيران ومعظمها ريفية معزولة عن المدن الكبرى، فمعظم من شارك في الحركة الخضراء في العام 2009 كان من سكان المدن الكبرى بينما ابتعد الريفيون عن المشاركة في صفوف الانتفاضة الإيرانية الأبرز على حكم الملالي”. ويتابع جولكار “بينما نجد أن معظم المنتسبين لمليشيا الباسيج هم من أبناء الريف الفقير الذين وجدوا في المنظمة مصدرا لامتيازات حرموا منها، وكذلك أسهل طريقة للحصول على دخل ثابت والانتساب إلى الجامعة بسهولة فائقة”. يبرهن جولكار في كتابه بالإحصاءات والأرقام على أن مساحة انتشار الباسيج وقدرتها على وضع المجتمع الإيراني بكليته أسرى لديها -كما يشير عنوان الكتاب- هما أكبر مما يتوقع أغلب الدارسين والمتخصصين بالشأن الإيراني، ويسوق في هذا المضمار وعلى سبيل المقارنة المجازية ما يلي: “هناك 12 ألف مقهى ستاربكس في الولايات المتحدة و22 ألفا حول العالم، وبالمقابل لدينا في إيران وحدها ما يزيد على خمسين ألف قاعدة ومكتب لمليشيا الباسيج”. ويتابع “بينما يصل عدد أعضاء الباسيج “آر 4 إي” خمسة ملايين عضو نجد أن 65% من الموظفين في الدولة وواحدا من كل ثلاثة طلاب هم أعضاء فاعلون في المنظمة الأمنية”. وبينما تدفع رواتب ثابتة للكادر العامل والأعضاء المتخصصين في المنظمة يتلقى الأعضاء المنتسبون امتيازات عديدة، منها مكافآت مالية وقروض ميسرة وخصومات على الرحلات الدينية لزيارة المدن المقدسة. ومن اللافت أن النساء الشابات يعتقدن أن عضويتهن في الباسيج يمكن أن تجلب لهن فرصا أعلى في الزواج وأن تمنحهن حقا مباشرا في التعليم الجامعي. ما هي مليشيا الباسيج؟ توجد معلومات قليلة عن نشأة منظمة الباسيج، وقد أخذت هذه المليشيا أسماء عديدة حتى استقرت على اسم الباسيج ترافقا مع غياب الرؤية السياسية لمؤسسي الجمهورية الإسلامية من الملالي الذين لا يمتلكون أي خبرة في العالم السياسي. ويفيد جولكار بأن شاه إيران الراحل كان قد حاول مرارا أن يؤسس لحكمه قاعدة شعبية مثيلة، والتغلغل في مفاصل المجتمع، إلا أن الملالي قاموا بهذا العمل بطريقة أكثر ذكاء من التي اتبعها الشاه. الباسيج ليست سوى نسخة مطورة من الحزب الذي أسسه الشاه وسماه “راستاخيز”، والاسم يعني البعث أو النهضة، إلا أن ما ميز الباسيج هو أنها جاءت مرتبطة ارتباطا عضويا بجسم الجيش الإيراني الذي تألف من الحرس الثوري الإيراني وكتائب الحرس الثوري الإسلامية وهي جميعها من الكوادر المدربة قتاليا وعسكريا. الوصمة البعثية في سياسات الملالي يسوق سعيد جولكار اشتباهه بالتأثير الذي تعرض له نهج الملالي من طرف المجتمعات الشيوعية، على الأقل انعكاسات حزب البعث الاشتراكي في العراق. ويعزو جولكار نظريته هذه إلى أن آية الله الخميني عاش فترة ليست بالقصيرة في العراق خلال نفيه خارج إيران، وكذلك لأوجه الشبه بين الباسيج وحزب البعث من حيث البنيوية العقائدية للتنظيمين، إلا أنه لا يجد مستندات أو وثائق تبرهن بشكل قاطع على هذه العلاقة المفترضة. لكن مما لا شك فيه هو أن القيادة الإيرانية تتشابه مع القيادة البعثية من حيث غموض وازدواجية رأس القرار، ففي الحالة الإيرانية نجد أن الباسيج تتلقى الأوامر مباشرة من قيادة الحرس الثوري، لكن -وفي الوقت نفسه- تتصل قياداتها مباشرة بمكتب آية الله خامنئي. وبناء عليه فإن قائد الباسيج محمد رضا ناقدي -الذي استلم منصبه في العام 2009- كان قد صدر الأمر بتعيينه مباشرة من مكتب الإمام خامنئي بناء على اقتراح قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري.