بين العقد الاجتماعي والعقد الوطني

16 نوفمبر، 2015

أحمد برقاوي

هض ثلاثة في عصر أوروبا الحديث في تأسيس مفهوم العقد الاجتماعي وهم: توماس هوبز وجان جاك روسو وجون لوك. كان السؤال الذي انطلق منه هؤلاء هو: ماهي حاجة المجتمع إلى السلطة؟

لقد انطلق هوبز من أن الإنسان شرير، ذئب، وأن هذه الحالة الذئبية تجعل البشر في صراع دائم، حيث الكل ضد الكل، والكل يعتدي على الكل، ولأن الأمر على هذا النحو فلا بد من قيام سلطة فوق الجميع تتمتع بقوة ردع للشر الإنساني وتكون مطلقة القوة والسيطرة والحق في إصدار القوانين وتنفيذها.

أما جون لوك فقد رأى أن الإنسان بطبيعته خيّر وليس شريراً، وأن الملكية هي من الحقوق الطبيعية الخيرة، والحريّة هي الأخرى ماهية إنسانية، فضلاً عن أن الإنسان يمتلك حق الحياة، ولكن هذه الحقوق لا يمكن الحفاظ عليها دون عقد اجتماعي يقوم بين الناس، ولكن في إنتاج سلطتهم، وليس في قيام السلطة المطلقة كما هو الحال عند مواطنه هوبز.

فيما رأى الفرنسي جان جاك روسو، أن الإنسان لا هو بالخير ولا هو بالشرير، بل إن الملكية هي أصل الشر، والبشر لا يستطيعون العيش إلا في مجتمع، هذا المجتمع يحتاج إلى سلطة تحافظ على حقوقه ولكن عن طريق الإرادة الجمعية، فإرادة الجماعة هي التي تختار، عبر العقد الاجتماعي.

والحق أن الديمقراطية الراهنة ليست إلا شكلاً متطوراً لفكرة العقد الاجتماعي الروسوية في القرن الثامن عشر، حيث يختار البشر سلطتهم بوصفهم مواطنين أحراراً.

غير أن مفهوم العقد الوطني مفهوم جديد لم يأتِ على ذكره أحد من فلاسفة السياسة الأوروبيين، وصار متداولاً في عالمنا العربي بعد انتفاضات الربيع العربي وثوراته.

فلقد نشأت الدول العربية بعد زوال الدولة العثمانية ونشوء ظاهرة الاستعمار التقليدي تأسيساً على عوامل خارجية عدة وداخلية، بل إن أكثرها قد خضع لضرورات استعمارية، فبلاد الشام والعراق مثلاً رُسمت حدود دوله كيفما اتفق الاستعماران الفرنسي والبريطاني، فلا أحد من أهل شرق الأردن التابعين تاريخاً لجنوب سوريا اختار حدود دولته، وقس على ذلك سوريا ولبنان والعراق وفلسطين، ودول المغرب العربي.. إلخ. ونشأت السلطة في هذه البلدان بفعل قوى داخلية تقليدية أو قوى معترف بها اجتماعياً.

غير أن ظاهرة خطرة قد حصلت في كثير من البلدان العربية قامت بتحطيم السلطة التقليدية وشبه الجديدة والجديدة ألا وهي الانقلابات التي قادها العسكر.

هذه الظاهرة أنتجت التناقض بين المجتمع والسلطة وقضى على مفهوم الدولة وعلى السلطة كونها شكلاً من أشكال العقد الاجتماعي المرتبط بشروطه التاريخية، ولم يعد هناك ما يخلق حالة الولاء والطاعة والانتماء، بل خلقت حالة الغلبة العسكرية الأمنية حالة الخوف والهلع والإقرار الظاهري بقبول واقع الحال، لم يعد هناك عقد وطني ينتج وطناً.

وبعد ضعف دولة الغلبة العسكرية والانفجار المروع ظهرت كل التناقضات وصراع التناقضات، أجل لقد انفجر المستنقع في هذه البلدان فأخرج ما في داخله من العنف، ومحاولة من الفكر السياسي لإعادة التاريخ إلى مجراه الطبيعي، الذي حرفته القوة العسكرية- الأمنية تطرح الآن فكرة العقد الوطني التي بدورها ستنتج العقد الاجتماعي.

العقد الوطني هو اتفاق سكان الدولة على العيش المشترك في دولة تمثل جميع الناس وسلطة ينتجها المجتمع – الناس.

لقد حطم علي عبد الله صالح العقد الوطني في اليمن وأسس دولة يحميها الحرس الجمهوري المؤسس على ولاءات ضيقة، وكانت انتفاضة اليمن ضده لتشكيل عقد وطني في بلد فيه من الاختلاف ما فيه وتأسيس عقد اجتماعي جديد للسلطة، لكن الحوثيين أرادوا إعادة إنتاج حكم على عبد الله صالح ولكن هذه المرة يكونون هم الحكام دون أي عقد اجتماعي..

في وقت لا يمكن لليمن أن يتجاوز محنته إلا بعقد وطني يتم بين ممثلي جميع القوى الاجتماعية والسياسية والقبلية، التي ستنتج بدورها سلطة العقد الاجتماعي، أي سلطة الدولة.

وقس على ذلك سوريا حيث حطم حافظ الأسد العقد الوطني السوري الذي أسس سوريا عبر دكتاتورية عسكرية وعصبية متخلفة، فحطم النسيج الوطني السوري، الذي نرى نتائجه الآن، ولا حل إلا بعقد وطني سوري بين جميع فئات المجتمع السوري دون استثناء.

وفي العراق بدل أن ينتقل العراق إلى دولة العقد الوطني بعد الاحتلال الأميركي له انتقل إلى دولة طائفية ثأرية فاسدة، فدمرت النسيج الوطني العراقي وأدخلته في حرب طائفية لا حل لها إلا بعقد وطني وعقد اجتماعي.

إن العقد الوطني الذي يؤسس لدولة الحق والتعايش والسلم الأهلي، الذي بدوره ينتج السلطة الحاكمة ممثلة للكل المجتمعي هو الحل الوحيد لتجاوز الدمار والدماء، وتجاوز أوهام القوى المنهارة في إعادة دولة الغلبة.

المصدر: الاتجاهات

2015-11-15
أخبار سوريا ميكرو سيريا