الإرهاب كما تراه موسكو

مرهف دويدري لم يكن مفاجئاً  استياء الخارجية الروسية من تسريب أحد شركاء الطاولة في فيينا، لمسودة مشروع المقترحات الروسية لحل النزاع السوري، أو كما أسمتها موسكو "منهجاً لتسوية الأزمة السورية"؛ والذي جاء بسبب عدم قناعة موسكو أن هذه النقاط قد تستطيع إقناع اطراف الحوار في تسوية سياسية من هذا النوع، خاصة وأن مصير الاسد ما زال طيّ الكتمان، ولا أحد يدري فيما إذا كان يحق له خوض الانتخابات أم لا؛ تلك الانتخابات التي ستأتي تتويجا لكتابة دستور جديد لسوريا "العلمانية"، و"الديموقراطية"، التي يحاول دائما ًوزير خارجية روسيا "سيرغي لافروف" التأكيد عليها كترجمة حقيقية لما قاله منذ بداية الثورة السورية: " سوريا لن يحكمها السنّة"، على اعتبار أن معظم الجهاديين من السنّة السوريين، من وجهة نظر روسيا على الأقل. منذ أن رفع "فاروق الشرع" في مؤتمر مدريد للسلام، عام 1991، صورة رئيس الوزراء الاسرائيلي "إسحاق شامير" آنذاك، والذي كان حاضراً في المؤتمر، كان حافظ الأسد يصرّ دائما ًعلى طرح ما أسماه "مؤتمراً دولياً للتعريف بالإرهاب" مع كل المسؤولين الغربيين، الذين تربطهم علاقة تحالف مع إسرائيل، حيث كان يسلط دائماً الضوء على الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، على الرغم من الخلاف الشديد بين الأسد، والزعيم الفلسطيني "ياسر عرفات"، الذي كان دائما ًفي خانة الخونة، فقد كانت محاولات الأسد الأب للخوض في موضوع تعريف الإرهاب، والتلويح بأن اسرائيل تمارس انتهاكات من خلال احتلالها للأراضي، بغية التغطية على ما حدث في لبنان، بعد اتفاق الطائف الشهير، من اغتيال الرئيس "رينيه معوّض"، الذي حكم سبعة عشر يوماً، وأكّد في أول خطاب له على تنفيذ مقررات مؤتمر الطائف، الذي ينهي الاحتلال السوري للبنان، خلال سنتين من توقيع الاتفاق، بالإضافة إلى تدمير بيروت الشرقية، بمباركة دولية، تنفيذاً لاتفاق الطائف، وطرد رئيس الحكومة العسكرية آنذاك "الجنرال ميشال عون" وهروبه إلى السفارة الفرنسية. وعلى ما يبدو أن الغرف المغلقة خلال تلك الفترة، في سوريا (الصمود والتصدي)، شهدت اتفاقاً سرياً على إطلاق يد اسرائيل في فلسطين، ورفع يد الأسد عن الفصائل الفلسطينية المناوئة له، ولجم الفصائل التي تعمل لحسابه، في مقابل إطلاق يد الأسد في لبنان، دون تدخل من أي طرف اقليمي قد يغير المعادلة، وهذا ما ترجم، من خلال التقارب الفلسطيني – الإسرائيلي، وتوقيع اتفاق (غزة -أريحا) عام 1993، الذي كانت من بين نتائجه التوصل إلى حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية، وغزة. في عام 1989، عرف السعوديون أن المسألة اللبنانية يجب أن تمرّ من دمشق وبوابة الأسد، فأرسلوا له رجلهم آنذاك رجل الاعمال اللبناني "رفيق الحريري"، لوضع حجر أساس لمؤتمر ينهي أي صراع على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب "، وعلى ما يبدو أن الأسد الأب كان يعرف تماماً أن عون لن يكون راضياً بهذا الاتفاق، فتم اعتماد ورقة قتال كل من لم يمتثل للحل السياسي، الذي فرضه الطائف على كل الأطراف المتصارعة، مرة بالترغيب من خلال إدخالهم بالعمل السياسي، ومرة بالترهيب، الذي قد يصل الى حد القضاء عليه عسكرياً بيد الجيش السوري، الذي كانت له اليد الطولى في إرساء السلم الأهلي، والوفاق الوطني، الذي أقرّ بإجماع المؤتمرين.
لا تختلف الفكرة الروسية كثيراً عن ما حمله الطائف من ترغيب وترهيب، من خلال تدخّلها العسكري، والبحث عن رجل يحظى بتوافق إقليمي لإتمام مؤتمر على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" بعد كل ما حدث في سوريا، ثم وضع بند أول في مقترح النقاط التسعة، الذي لم يوافق عليه الغرب، وهو ضرب كل فصيل عسكري لا يدخل في العملية السياسية ،على مبدأ فرض الحل بالرؤية الروسية، ثم طرح فكرة القائمة، التي تضم المنظمات الإرهابية داخل سوريا، والتي تشمل الفصائل التي تقاتل النظام السوري فقط، وتحقق الانتصارات عليه، مع التمسك بقائمة الأمم المتحدة، التي تضم المنظمات الإرهابية، وهذا يعني أن هذه القائمة لن تضم أي فصيل موالٍ للأسد، ارتكب جرائم حرب مثل حزب الله اللبناني، والفصائل الشيعية العراقية، ومتعددة الجنسيات، وكان آخرها حزب الله الأفغاني، ولواء فاطميون،  وكذلك حزب الله العراقي، وحزب الله السوري، الذي شكله الجنرال "حسين همداني"، والذي قتل في ريف حلب قبل أقل من شهر. تبرّر موسكو وضع هذه القائمة، من أجل تحديد الأهداف التي يجب أن تضرب بحسب مزاعمها، حيث سرّب أن هذه القائمة تضم فصائل من الجيش الحر، وفصائل مدعومة أمريكياً وسعودياً، ولعل الأهم في هذه القائمة، مسألة استصدار قرار من مجلس الأمن، يحظر على الدول الاقليمية دعم هذه الفصائل، التي تم تصنيفها على أنها إرهابية، ليكون التدخل العسكري الروسي، الذي بدأ منذ شهر ونصف الشهر، ذو فعالية، بعد أن أثبت فشله، وبعد هزائم النظام، والقوات الطائفية الموالية له في عدة جبهات، فكان لابد من كسر هذه الفصائل، من خلال تخلي الجميع عنها، وغضّ البصر عن سحقها بسلاح الجو. ربما لن تكتفي روسيا بالتدخل العسكري الجوي في الفترة القادمة، خاصة وأن الخسائر المتلاحقة قد لا تجعل التفاوض السياسي سهل المنال؛ لابد من تدخّل بري من عناصر "النخبة"، والتي لها خبرة في قتال الإرهابيين في الشيشان، مثل قوات الرئيس الشيشاني "قاديروف"، الذي أبدى استعداده لخوض المعارك ضد تنظيم الدولة في سوريا، منذ بدء التدخل الروسي فيها، ولعلّ الذريعة بدأت بالتمهيد لهذا التدخل، من إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، التي تبناها التنظيم، والإصدار الأخير لوكالة إعلامية تابعة لداعش، تحت عنوان "قريباً" باللغة الروسية، حيث يهدد التنظيم موسكو باحتلال الكرملين، والتفجيرات الأخيرة في "برج البراجنة" في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تبناها أيضا ًالتنظيم، ثم أحداث باريس الدامية، التي عجلت اتخاذ قرارات في اجتماع السبت في فيينا، ووضع جبهة النصرة إلى جانب داعش، كهدف لمحاربة الإرهاب. إذن، الذريعة باتت جاهزة، وربما القوات التي يجب أن تتدخل باتت جاهزة أيضاً، ولم يبق إلا إعلان فشل التفاوض في فيينا، وعدم التوصل الى حل واضح، ينهي المعارضة المسلحة، التي تريد إسقاط النظام في سوريا، إلى جانب إنهاء داعش بطريقة الذوبان عن طريق الغارات الجوية، وليس أدلّ على ذلك من الإعلان عن مقتل السفاح الانكليزي "جون" الذي ذبح عدة صحفيين، خلال إحدى الغارات على مدينة الرقة. مازالت المفاوضات بشأن المنظمات الإرهابية التي تريدها موسكو، ترواح في المكان، خاصة وأن دولاً إقليمية أرادت إضافة حزب الله اللبناني، وتنظيمات عدة إلى القائمة، وإضافة بند بإخراج كل المقاتلين الأجانب، خارج سوريا، ضمن جدول زمني محدد، ما دفع إيران لمقاطعة عمل اللجان، ولكن في حال امتثل المجتمعون لإرادة موسكو، في تطبيق قائمة المنظمات الإرهابية الأخرى، بعد نجاحها في إحراز تقدم، باعتماد قائمة الأمم المتحدة، وضمّ جبهة النصرة إلى داعش، سنرى تموضعاً جديداً لمحوري الخير والشر، وبالتالي الدخول في متاهات جديدة، قد لا تنهي الحرب في سوريا..