الاحتفاء بالقتل!

لا يحتاج المرء –كما يفترض منطقياً- أن يكون فقيهاً، ولو بالحد الأدنى، ليعرف أن تنظيم “داعش”، بما يرتكبه من فظائع، لا يمثل الإسلام وفق أي فهم وتأويل ممكنين. والحقيقة أن الدعم الأكبر لـ”داعش” كفكرة وليس كتنظيم بالضرورة، لا يأتي من متدينين مضللين أو مغسولي الأدمغة، بل هو يتلقى هذا الدعم بشكل غير مباشر غالباً، ومن فريقين متناقضين في موقعهما وأيديولوجيتهما، لكن يجمعهما “الاحتفاء بالقتل”!

فعلى جانب، هناك اليوم المحتفون والشامتون أو اللامبالون بالقتلى المدنيين في باريس وبرج البراجنة وعلى متن الطائرة الروسية، والعراقيين الشيعة في أسواقهم وسواهم، بذريعة الانتقام ممن يقتلون المواطنين “السُنّة” في سورية والعراق، وصولاً إلى المسلمين في ميانمار وأفريقيا الوسطى، وحتى الانتقام من جرائم الاستعمار الغربي قبل عقود! فليس مهماً إزاء ذلك هوية القاتل والضحية. في المقابل، وعلى الجانب الآخر، فإن بين المفجوعين بضحايا جرائم “داعش” السابقة، من لا يترددون بدورهم في الاحتفاء أو التزام الصمت -حتى من دون مبرر واضح- إزاء قتل المدنيين في سورية والعراق؛ على يد نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين في الأولى، وعلى يد المليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً أيضاً في الثاني. فالفريق الأول، شاء أم أبى، يصل سريعاً إلى الدفاع عن “داعش” التنظيم، ولو ضمناً، طالما هو يدافع عن أفكاره. تماماً كما أن الفريق الثاني، أقر بذلك أم لم يقر، ينتهي أيضاً إلى تشجيع الأفكار ذاتها معبراً عنها بممارسات ضد الخصوم متطابقة مع تلك التي يقوم بها تنظيم “داعش”، وإن بمبرر أيديولوجي آخر “علماني”، وليصير خيار الناس بين “داعش” ديني و”داعش” علماني فقط. والغريب أننا رأينا نتيجة هكذا خيار عندما اجتاح تنظيم “داعش” الموصل بسهولة؛ إذ قرر الناس أنه أرحم ربما من “داعش” المالكي وإيران. وحتى بعد كل المجازر التي ارتكبها التنظيم بحق سُنّة العراق، فمايزال هؤلاء أكثر خشية من دخول أفراد المليشيات الطائفية مناطقهم “محررين”، مقارنة ببقاء “داعش”! رغم هذا الواقع المظلم، إلا أن ثمة نتيجة حاسمة يمكن استخلاصها هنا، باعتبارها النتيجة الوحيدة المنتجة. وهي -بداهة- أن “داعش” يستفيد من إشاعة ثقافة “الاحتفاء بالقتل”. والواقع أنها ثقافة أسبق بعقود طويلة على ظهور التنظيم وأسلافه جميعاً، بذرائع شتى، منها الانتقام العبثي من “العدو”، وحتى -ويا للمفارقة- تحقيق التنمية والنهضة الوطنيتين! وبناء على ذلك، وبداهة أيضاً، تكون أولى الخطوات الحاسمة للتصدي لداعش، هو إدانة ثقافة الاحتفاء بالقتل المرتكب بحق المدنيين العزل أياً كان مرتكبه؛ وأياً كانت ذريعته؛ تماماً كما أشار د.مروان المعشر في مقاله يوم الأربعاء الماضي “قتل النفس البشرية مدان”. حين نفعل ذلك، فنتخلص تلقائياً من معاييرنا المزدوجة بحق أنفسنا (التهمة التي طالما وجهناها للغرب؛ الذي يفترض أنه غريب)، فإننا نخلق فعلياً بديلاً حقيقياً وإنسانياً عن “داعش” الديني و”داعش” العلماني؛ وأحد أسسه –تلقائياً- التصدي للخطاب الطائفي الذي تستبطنه تلك المعايير المزدوجة، والذي يمزق الأوطان بشكل قد يستعصي على العلاج بعد حين.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا