القاتل السوري
21 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2015
فاروق يوسف
لا يبدو الجواز السوري الذي يُقال إنه عُثر عليه في مكان الجريمة التي شهدتها باريس دليلا على شيء أو حجة على أحد. فقد يكون ذلك الجواز مسروقا أو مزورا أو منتحَلا. لذلك فهو لا يشير إلى أحد بعينه، بالرغم من أن سيرة ذلك “الأحد” يمكن تلفيقها بيسر.
يمكن تأليف تاريخ لشخصية غير موجودة، فمَن في إمكانه أن يتحقق من وجود ذلك الشخص من عدمه؟ الموضوع برمته يتخطى الإشارة إلى جثة القاتل التي تشظت بعد انفجارها إلى هويته، وهو ما ينقل الحدث إلى مساره الإعلامي الموجه.
كانت جملة “القاتل السوري” قد تصدرت الصفحة في صحيفة “مترو” اللندنية. وهي صحيفة مجانية يطالعها الملايين كل نهار. السوري الذي كانت وسائل الإعلام حريصة إلى وقت قريب على تقديمه في هيئة الضحية، صار في باريس قاتلا.
لكن ما مصلحة الشرطة الفرنسية في القيام بذلك؟ هل كانت أوروبا في حاجة إلى استيراد قاتل سوري لتضيفه إلى سجلّ قتلتها؟
القاتل السوري صار عنوانا لمرحلة في الحرب على الإرهاب. منظر الرئيس الفرنسي وهو يتوعد الدولة الإسلامية بالويل والثبور لا يسر أحدا. فرنسا أكبر من أن يرتجل رئيسها حربا على عدو لا تعرفه. لقد ضُربت هيبة فرنسا في الصميم، ولكن رد فعل رئيسها زاد الأمر تعقيدا بسبب سذاجته. أكانت فرنسا في حاجة إلى قاتل سوري لتجد أن من حقها أن تضرب في سوريا؟
قبل غزوة باريس كان الفضاء السوري مستباحا. بعدها لن يتغير شيء لو أضيفت طائرات تحمل العلم الفرنسي إلى أسطول الطائرات التي تحلّق يوميا في سماء سوريا من غير أن تعثر على القاتل.
كان الأردن وبعد مقتل طياره معاذ الكساسبة قد هدد بحرب على داعش لا تبقي ولا تذر. ماذا كانت النتيجة؟ صفقة إعلانات، نُسي بعدها كل شيء. لم تجد الطائرات الأردنية ضالتها فعادت إلى مخابئها.
فرنسا أكبر من الأردن في كل شيء ولكنها لن تفعل شيئا مختلفا عما سبق للأردن أن فعله. ستكتفي برواية “القاتل السوري” التي ستحدث تغيرا سلبيا في نهج التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من سوريا.
وكما يبدو فإن ربط ملف اللاجئين بملف الإرهاب كان في حاجة إلى غزوة باريس من أجل أن يصبح قيد التداول الشعبي، وهو ما كان اليمين الأوروبي المتطرف يتمناه. القاتل السوري كان حلم اليمينيين الذي أنجزه رئيس يساري.
ربما يكون هناك شخص سوري قد شارك في الجريمة التي وقعت في باريس، ولكن هل كان ضروريا بالنسبة لذلك الشخص أن يعلن عن هويته بعد موته؟ ما تحتاج إليه الشرطة لن يكون المجرم في حاجة إليه.
وكما أرى فإن تنظيمات إرهابية من نوع داعش لا ترى قيمة في أسماء وهويات منفذي جرائمها. كل شيء يتم تنفيذه باسم الجماعة. وهو ما يعني أن الفرد المغيّب عن الوعي لابد أن يكون مغيبا عن نفسه. لا اسم له ولا هوية. هل يحتاج المرء الذي يفجر نفسه من أجل الذهاب إلى الجنة إلى التعريف بشخصه؟
لنضع كل ذلك جانبا ونسأل “ألا يشكل الإعلان عن هوية القاتل السورية تحريضا علنيا ضد اللاجئين السوريين الذين تمت عولمة نزوحهم من وطنهم؟”.
هناك اليوم دعوات لا للحد من النزوح السوري إلى أوروبا، بل لطرد السوريين الذين وصلوا بعد أن نجوا من الموت غرقا. ربما كانت دعوة رئيس وزراء بولندا لتأليف جيش من السوريين الهاربين من بلادهم هي الأسوأ في هذا المجال.
وكما يبدو فإن غزوة باريس كانت اختبارا أخلاقيا وحقوقيا سيكون على أوروبا أن تجتازه، لكن بصعوبة.
المصدر: العرب