بعد 13 إصابة في المعارك ضد النظام ذهب إلى إسطنبول ليبحث عن عمل


01qpt953

عندما بدأ الحراك الشعبي ضد النظام السوري عام 2011 انطلق الفتى إلى ساحات التظاهر والاحتجاجات مع الثوار الأوائل، ولم يتجاوز عمره حينها الرابعة عشرة، إلا أنه كان يدرك تماما لماذا خرج في المظاهرات ولماذا اندلعت الثورة السورية، لاسيما أنه ابن لرجل عانى الكثير على يد رجالات النظام وضباط مخابراته، كما أنه أصبح فيما بعد أخا لشهيد غدرت به رصاصة قناص.
لكنه سرعان ما انتقل للمشاركة في النضال المسلح بعد أن بدأ النظام بارتكاب المجازر بحق السوريين، ليكون من أصغر مقاتلي «الجيش السوري الحر» في ريف حلب الشمالي، ومن الشبان الذين ساهموا بإبعاد النظام عن تلك المناطق الثائرة، وبعد ما يقارب خمسا من السنوات شعر الشاب الذي اقترب من العشرين باليأس، وقرر الذهاب إلى تركيا والبحث عن عمل يناسب جسده المنهك بـ13 إصابة، كانت الأخيرة منذ شهر تقريبا، وما زالت تحتفظ للحظة بضماداتها.
يحكي لـ«القدس العربي» الشاب «أبو سالم» الذي لم يتزوج ولم ينجب سالم بعد، عن أسباب يأسه وابتعاده عن ساحات المعارك ويقول: «لم أخرج من سورية خوفا من القتال أو الإصابة أو الموت، ولم أشعر بذلك الخوف يوما، لكنني وجدت أن كل ما بذلته ذهب سدى من دون نتيجة، فلا البلاد تحررت، ولا الثورة انتصرت، بل أصبحت أحوالنا أسوأ مما كانت عليه، والأهم أن نفوسنا أصبحت أسوأ أيضا، وأصبح كل همنا المصالح الشخصية والنفوذ والسلطة والمال بعيدا عن الوطن الذي نتغنى به كل يوم».
ويضيف «قاتلت لأكثر من أربع سنوات مع فصائل عدة، لأجد فجأة أن القادة أصبحوا تجارا، وأن الشهداء يرحلون من دون أي احترام ممن بقي بعدهم، فخيانة دمائهم لم تتوقف، وحلمهم الذي قضوا لأجله لا أحد يعمل على تحقيقه، بل الجميع يحاول إرضاء الداعمين لجني المال الذي يسرق أكثر من نصفه ويخوض معارك شكلية بالنصف الآخر».
يشرح «أبو سالم» عن سير المعارك وكيف يتم التحكم بها من قبل الداعمين الدوليين وحسب المخططات التي رسمتها تلك الدول، ويروي الكثير من الخيبات التي مر بها، فيقول «بعد فترة طويلة من خوض المعارك وجدت أن الداعم هو من يحدد وقت المعركة ومكانها وحتى عدد مقاتليها ونوعية سلاحها وكميته، أية معركة تلك التي نذهب إليها من دون معرفة الهدف الحقيقي منها، كنا في بداية الثورة نحرز انتصارات كبيرة بسلاحنا البسيط الذي تم شراؤه بأموالنا الخاصة، واليوم نملك الكثير من السلاح من دون فاعلية، لقد حررنا ريف حلب الشمالي بالبندقية وما يسمى البمبكشن، والآن نملك الدبابات ومضادات الدروع والصواريخ لكننا لا نحرز أي تقدم، لأن تقدمنا مرهون برغبة الداعم».
وحول المعارك مع «تنظيم الدولة» ومقارنتها بالمعارك مع قوات النظام والميليشيات الشيعية بمختلف أنواعها يقول الشاب «عندما تكون المعارك على جبهات «تنظيم الدولة» فإننا نحظى بكميات هائلة من السلاح والذخائر ووسائط الدعم اللوجستي، في حين لا نجد سوى بضع طلقات لا تكفي لساعات عندما تكون المعركة على جبهات النظام وميليشياته الإيرانية واللبنانية، ويبدو أن الداعمين أرادوا أن نحارب «تنظيم الدولة» فقط، لكنهم لا يصرحون بذلك بشكل مباشر، بل يظهر ذلك من خلال فوارق الأسلحة المستخدمة في كلا المعركتين».
ويضيف «بكل وضوح وكما أنني ضد النظام وممارساته فإنني ضد «تنظيم الدولة» وضد الانتهاكات التي يرتكبها، لكن أن يقتصر قتالنا على جبهات «التنظيم» تاركين النظام ليستعيد ما يشاء من القرى والبلدات التي طردناه منها سابقا بالكثير من دماء الشهداء والجرحى، فهذا أمر لن أوافق على الاستمرار به».
«أبو سالم» يؤكد أن السلاح والذخيرة متوفران بشكل كبير في مستودعات الفصائل، وأن قادة الفصائل يستطيعون تقديم السلاح والدعم لدى محاربة النظام لعناصرهم بنفس الكمية المقدمة لدى قتال التنظيم، لكن القادة أنفسهم أصبحوا أدوات بيد القوى الخارجية التي تتحكم بسير المعارك وتبادل وتوزيع المواقع «ولهذا قررت أن أترك السلاح وأهاجر إلى تركيا، كما فعل غيري، فأنا خرجت في سبيل الله دفاعا عن بلدي وما يحدث ليس كذلك فلم أستمر بعد أكثر من عشر إصابات جعلت جسدي كجسد رجل كهل منهك».
بحسب الشاب المنشق عن العمل العسكري بأسره، تخسر فصائل «الجيش الحر» بشكل يومي أعدادا من المقاتلين الذين يرفضون الانتماء لأجندات وتوجيهات خارجية تتحكم بتوجيه المعارك، وهذا أحد أهم الأسباب لتقدم النظام والتنظيم في آن واحد، إذ أن كثير من هؤلاء تركوا السلاح وغادروا، وبعض منهم انضم للفصائل الإسلامية كـ»جبهة النصرة» أو حتى «تنظيم الدولة» بعد أن شعروا باليأس من مواقف المجتمع الدولي المتخاذلة بشأن القضية السورية.
ومما يجب ذكره أن «القدس العربي» تواصلت مع الشاب المقاتل قبل خروجه من سوريا وأوضح لنا أنه اتخذ القرار، لكنه يحاول تأمين «أجرة الطريق وكلفة عبور الحدود» لينفذ ما أراد، بينما كثير من القادة العسكريين «يسافرون بشكل متكرر إلى تركيا حيث يقضون إجازاتهم في أجمل المناطق التركية مع زوجاتهم وأطفالهم، وأحيانا مع خليلات اعتدن أخذ (الخرجية) من جيوبهم الممتلئة، على حد قول «أبو سالم».


المصدر : الإتحاد برس