سوريون: الحرب أفسدت العلاقات الاجتماعية ولم نعد نهتم بها


02qpt957.5

منذ ثلاثة أعوام لم يسمع «محمد» صوت أخيه الأصغر «عبدالمنعم»، إذ غادر «محمد» البلاد بعد أن أصبح مطلوبا لقوات النظام، بينما بقي المهندس الإلكتروني «منعم» كما يسميه الأخ الأكبر داخل مدينة حلب يقيم في مناطق النظام. يعتقد محمد أن أخاه غير مهتم بأن يتحدث إليه أو يعرف أخباره، ويقول: «ثلاث سنوات لم أسمع صوته، ولم يحاول أن يتصل بي، وقد يعتقد من يسمع ذلك أن السبب عدم توفر الاتصالات وانقطاعها في مختلف المناطق السورية، لكن الأسباب في الحقيقة غير معروفة ولا أفسرها سوى بعدم الاهتمام».
ويضيف لـ«القدس العربي»، «أعلم تماما أن أخي يمتلك مختلف وسائل الاتصال كبرامج الهاتف النقال، كما أنه يمتلك رقم هاتف وحساب فيسبوك، لكنه فيما يبدو فضل أن يهتم بشؤونه الخاصة، أو أنه يخشى التواصل معي، ويعتقد أن ذلك قد يعرضه للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية، كونه يقيم في حي يقع وسط المدينة حيث تبسط قوات النظام السوري سيطرتها هناك».
ويرى «محمد» أن «الحرب قد تسببت بالكثير من التفكك في العلاقات الاجتماعية بعضه مقصود وبعضه تكون الأطراف التي كانت على تواصل مسبق مرغمة على ذلك، ولا سبيل أمامها للتواصل أو اللقاء، لكنه يدرك تماما أن الحرب التي وصفها بــ»اللعينة «جعلت المرء ينسى أهله وأقاربه وأصدقاءه، فأكوام الهموم والمشاكل تبعد المرء شيئا فشيئا عن قيمه القديمة ويبقى سعيه منحصرا في الحفاظ على حياته ومن ثم تأمين لقمة العيش.. فقط».
تشتت الأسرة الواحدة في منافٍ متعددة أمر أصبح كثير الحدوث هذه الأيام بالنسبة للسوريين، فــ»أم حسام» تقيم في مدينة أنطاكيا بينما أخواتها الإناث يعشن في ريف حلب الشمالي، فيما أخوها فضل اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية بعد أن سدت في وجهه كل سبل العيش الكريم.
تحكي «أم حسام» عن الظرف الاجتماعي الذي تعيشه: «كنا نعيش كعائلة واحدة في بلدتنا شمال حلب، ولا يمر يوم إلا ويلتقي الإخوة والأخوات في أحد بيوت العائلة، وفجأة وجدنا أننا قد تشتتنا في عدة دول، بعضنا يستحيل عليه أن يلتقي بالبقية، إلا أننا ما زلنا نتواصل يوميا عبر وسائل التواصل باستخدام شبكة الإنترنت».
وتشرح قائلة: «أخواتي في ريف حلب غالبا ما ينقطعون عن التواصل معي بسبب انقطاع شبكة الإنترنت، حسب ما أفهم من حديثهن، لكنهن مؤخرا بدأن بالغياب لفترات طويلة، دون أن تكون هنالك أسباب تتعلق بجودة الاتصالات، وأعتقد أنهن وجدن الأمر مملا وانصرفن إلى شؤون بيوتهن وأطفالهن وهموم الحياة اليومية، لقد جعلتنا الحرب كل في واد، حتى أن اهتماماتنا قد تباينت مع مرور الأيام والشهور والأعوام».
أما «صفوان» فيتحدث عن الموضوع من جانب آخر هام جدا، إذ أنه يرى أن الأصدقاء أصبحوا أعداء في بعض الحالات، وأن الأقارب قد تخلوا عن بعضهم لتباين في المواقف السياسية، كما أنه يشير إلى أن التفكك بدأ منذ اليوم الأول بين مؤيد ومعارض للنظام.
يقول «في الحالات الاجتماعية التي يصعب على الناس اللقاء ببعضهم أو التواصل بشكل متكرر لا يمكننا اعتبار ذلك تفككا اجتماعيا، لكن التفكك الخطير الذي حدث منذ أول يوم في الثورة السورية هو التفكك المبني على أساس المواقف السياسية، فمنذ البداية انقسم الجميع بين مؤيد ومعارض، وبدأت النزاعات والخلافات من وجهات النظر وصولا إلى الخلافات التي يستخدم فيها السلاح».
ويكمل «ومع مرور الأعوام على المأساة الحاصلة في سوريا استمر التفكك ليصل إلى الأسرة الواحدة، ففي عائلتي أنا مؤيدون للنظام وعناصر للجيش الحر، كما تحتوي على مقاتلين في الكتائب الإسلامية، وعلى أشخاص ما زالوا يعملون في مؤسسات النظام ويتواصلون مع رجالاته، هؤلاء لم يبقوا كما كانوا عائلة واحدة، بل أصبح بعضهم عدو بعض، ولن يجد ذاك الصدع من يرأبه مطلقا، لاسيما أن بعضهم فقد بعضا من أبنائه في القصف ويعتبر أن البقية مجرمون لأنهم ما زالوا يرون أن النظام على حق، فيما هم يرون العكس تماما».
أما عن العلاقات الاجتماعية البعيدة كالصداقات التي كانت موجودة بين مسلم سني وآخر شيعي، أو بين مسيحي ومسلم، فقد تحطمت إلى الأبد بحسب «صفوان» إذ أنه يرى «أن هذه الحرب التي لا يعرف أحد لها نهاية، لم تبق شيئا من ذاك الاندماج المجتمعي، ولن تتصالح الطوائف السورية إلا بعد نهاية الحرب بعشرات السنين، هذا لو انتهت».
يرى الرجل أن سوريا أصبحت مقسمة تماما ولو كان ذلك من دون أسلاك، إذ لم يعد أي طرف قادرا على تقبل الطرف الآخر، ولن تزول آثار ذلك إلا بعد أن تزول آثار الدماء من العقول والقلوب.. يضيف في ختام حديثه: «ولكن هيهات».


المصدر : الإتحاد برس