محجبات لا إرهابيات
6 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
بات العديد من صديقاتي اللواتي يقطنّ في أماكن متفرقة من أوروبا يشتكين من نظرة الأوروبيين للمحجبة، خاصة بعد تفجيرات باريس الأخيرة.
نظرات يصنّفنها أقرب ما تكون إلى الازدراء، على الرغم من حمل بعضهن جنسية البلد منذ زمن بعيد، مع ذلك لم يشفع لهن اندماجهن في المجتمع الأوروبي من أن يرمقن بنظرة الاتهام لوجود تلك العلامة الفارقة فوق رؤوسهن.
للوهلة الأولى ظننت أنهن ربما قد بالغن بالأمر لغايات أخرى، فمنهن من باتت تفكر بخلع الحجاب، ومنهن من باتت تستر حجابها بقبعة لتنأى بنفسها عن تلك النظرات، لكن سرعان ما أكدن لي الأمر وبشدة عبر مواقف كثيرة ونقاشات تعرضن لها.
ربما أستغرب من المجتمعات الغربية انعكاس التطرف على نظرتها للحجاب، خاصة أنهم من يدّعون احترام الحريات والأيديولوجيات، لكن ما يحدث من تسييس للدين الإسلامي على أيادي الجهاديين المزعومين يبرر ما قد يطرأ على المجتمعات تلك من تغيير ونبذ لكل ما يتعلق بالإسلام، وما هي إلا عملية قولبة للمسلمين وتطبيعهم وربطهم برباط فاقة العصر “داعش”، سعياً وراء دثر التعاليم والأسس الحقيقية للإسلام.
حتى لا نذهب بعيداً ونرمي الغرب بوابل من الاتهامات وانتقاد ممارساتهم، نعود قليلاً إلى سوريا.
سوريا التي باتت في نظر العالم اليوم أكبر تجمع مصدّر للإرهابيين بسبب سيطرة تنظيم الدولة على جزء لا بأس به من الأراضي السورية، واستقطاب عدد كبير من الجهاديين من مختلف أنحاء العالم.
سوريا في ثمانينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1982 كانت قد شهدت ثورة مماثلة لثورة اليوم لكن للأسف. تمكن حافظ الأسد حينها، بمساعدة أخيه رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع، من إجهاض الثورة قبل ولادتها والثمن الأكبر والأبهظ حينها دفعته مدينة حماة في فبراير/شباط 1982 التي عاشت مذبحة، اعتبرت مأساة العصر حينها، راح ضحيتها أكثر من خمسين ألف شخص بأبشع أساليب القتل والتعذيب، فضلاً عن الاعتقالات التي طالت عدداً كبيراً من شبابها.
بعد أحداث حماة المروعة والتي روّج نظام البعث حينها بأن مرتكبيها هم عصابة الإخوان المسلمون العميلة تثبت حكم حافظ الأسد وانتهج نهجاً جديداً، وكانت المجزرة وسام النصر على صدره.
والجدير بالذكر أن بعض السيدات السوريات حينها كن يرتدين المانطو ويغطين وجههن بمنديل أسود تتفاوت سماكته حسب التزام السيدة بحجابها وسترها، وأضحى حينها ذاك الستر على رؤوس سيدات سوريا عامة وسيدات حماة خاصة رمزاً متعلقاً تعلقاً مباشراً بعصابة الإخوان المسلمين العميلة، حسب تعبير نظام البعث.
فأعطيت الأوامر لأتباع البعث والشبية وعناصر المخابرات من مهندس المجزرة رفعت الأسد بنزع الغطاء عن وجه كل سيدة يصادفونها في الشارع وعلى الملأ، وبث سيدات من الحزب بين النساء لتشجيعهن على نزع الحجاب واعتباره رمزاً للإخوان المسلمين واعتقال أي رجل يخالف رغبة زوجته أو أخته في خلع الحجاب أو غطاء الوجه.
كان لتلك السياسة أثر كبير على تحول المجتمع وتحول مفاهيمه، وأضحت سياسة النظام حينها واضحة وهي تفكيك وكسر مبادئ المجتمع الفكرية والعقائدية لتمكين قبضة النظام عليه، الأمر الذي لم يكسره سوى الثورة السورية الحالية بعد ثلاثين عاماً من إجهاض الثورة الأولى.
حتى في عهد الأسد الابن كان هناك عداء للحجاب ربما لم يكن يظهر جلياً للكثيرين لكنه كان مبطناً، فقد كانت بعض الأوساط الفنية أو الأدبية وحتى الإعلامية حكراً على غير المحجبة وتجد المحجبة صعوبة في اختراقها والخوض فيها.
على سبيل المثال للحصر كنت قد التقيت بمدير التلفزيون في إحدى الدورات الإعلامية وسألته عن رفض المذيعة المحجبة من الظهور على التلفزيون السوري أسوة بأهم المحطات العربية وانطلاقة من كون الإعلام فكراً أولاً وأخيراً، فكان ردّه مصحوباً بنظرات ازدراء للسائلة التي أحرجته أمام جموع من الإعلاميين بأن سياسة التلفزيون ترفض التطبيع بدين الإسلام.
ولم يقف ذلك عند الإعلام الرسمي بل أيضاً كان لي تجربة مع إحدى القنوات الخاصة شكلاً وتابعة للنظام السوري سياسية، كانت عبارة عن مشاركة صغيرة في فقرة ضمن برنامج للأطفال رفض البرنامج من جذوره بسبب (حجابي).
أعرف أن القلائل من يعرفون حجم مأساة الترهيب والتطرف ضد الحجاب الذي عاشته سوريا فترة طويلة من الزمن، فلا نعجب من مجتمع غربي يربط الحجاب بالإرهاب كردة فعل لما يشهده اليوم من إرهاب وتطرف، الأمر الذي لم يشهده في مجتمعاته سابقاً وقد حالت أيديولوجيات وسياسات العالم عن طريق حرب إعلامية شرسة دون ظهور الإسلام بمظهره الصحيح في عيون الغربيين.
وبما أن السيدة المسلمة والعربية حصراً باتت محاصرة بسبب حجابها اليوم، هذا ما يدفعها إلى عدم التخلي عنه لا من مبدأ التزمت أو التشدد، إنما من مبدأ الحرص على رموز معتقداتها ورفض ربطها بالإرهاب، فالإرهاب لا دين له.
وهي أولاً وأخيراً محجبة لا إرهابية.