uFEFFلماذا فضلوا أن يعودوا إلى مناطق النظام السوري بعد سنوات في المناطق المحررة؟
10 ديسمبر، 2015
- محمد إقبال بلو – القدس العربي
«بعد أن تحررت بلدتي في ريف حلب الغربي بقيت فيها سنتان قبل أن أفقد الأمل وأتوجه للسكن في المدينة تحت سيطرة النظام وميليشياته»، هذا ما قاله المهندس أحمد لــ»القدس العربي»، ورحل إلى حيث يقبع الاستبداد والقمع، لكنه غير نادم، كما قال.
يتابع المهندس أحمد: «استبشرنا خيرا عندما تحررت مناطقنا من سيطرة النظام وأجهزته الأمنية، وفرحنا بأننا قريبا سننعم بالحرية، ولكن فيما يبدو أن الحرية التي نحلم بها ليست سوى خيال نستمتع معه للحظات، ثم ما يلبث أن يختفي، شيء نحبه إلا أنه كائن أسطوري فيما يبدو بالنسبة لنا نحن السوريين».
يشرح المهندس الشاب أسباب انتقاله ليعيش في ظل النظام قائلا: «في مناطق النظام تدرك تماما التوجه الموجود، وتؤقلم نفسك عليه وعلى متطلباته، وتعيش مقابل ذلك من دون قصف، نعم كثيرا ما تتعرض للإهانة من قبل جنود النظام وشبيحته، لكنك تتعرض لذلك أيضا في المناطق المحررة، لقد تعرضت في بلدتي من قبل أبنائها لأكثر من إهانة، بل أصبح حثالة القوم أسيادا يتحكمون بنا وبلباسنا وبطريقة حياتنا، ففي كلا الحالتين أنا وأسرتي نتعرض للقمع، لكن أن تقمع من قبل جهة واحدة من دون أن تتعرض للصواريخ والقذائف أفضل من أن تقمع من جهات مختلفة وتتعرض للموت في كل لحظة».
يرى الرجل أن «المناطق المحررة لم تكن بالمحررة يوما، وبعد رحيل استبداد النظام منها ولدت أشكال جديدة ومتنوعة من الاستبداد الجديد الذي يمارسه عليك أبناء بلدتك والذين تعرف تاريخهم وماضيهم ومستويات تفكيرهم. الجميع كان يأمل في أن تتشكل في هذه البلدات الخارجة عن سيطرة النظام مجالس مدنية حقيقة تسير شؤون مواطنيها، إلا أننا لم نتوقع أن تصبح تلك البلدات ممالك صغيرة يحكمها القادة العسكريون الذين لا يحملون أية ثقافة مدنية أو أي جزء ولو بسيط من فن الإدارة، وعندما توكل الأمور لغير أهلها لا بد لنا من الرحيل، قد يبدو ذلك جنونا لكنني غير نادم».
بواسطة برنامج «واتس اب» تحاوِر «القدس العربي» من حي الفرقان المدرّسة «صفاء» وهي ابنة إحدى بلدات ريف حلب الشمالي، وتقول «لقد هجرنا منزلنا في القرية وانتقلنا إلى المدينة لنستأجر بيتا في هذا الحي، بعد أن عرفنا أن الموضوع قد يطول، إذ أننا طردنا النظام من مناطقنا، لكننا لم نقم بإدارتها بدلا عنه، لقد استبدلنا إدارة فاسدة بفوضى عارمة، ومن وجهة نظري أن أعيش هنا في ظل إدارة فاسدة خير لي من أعيش في مكان تعمه الفوضى ولا يرغب أحد فيه بتحمل العبء والمسؤولية».
وتضيف «ما الفائدة من تحرير القرى والمدن والبلدات وإبعاد النظام عنها، إن لم نكن نهدف في ذلك إلى تحسين أحوالها وتغيير الحالة المجتمعية السيئة إلى الأفضل، للأسف تغيرت الأمور ولكن نحو الأسوأ، فقد انحدر مستوى التعليم وتراجع كما تراجعت الخدمات، حتى أن الحريات التي كنا ننشدها من الثورة ونحلم بتحقيقها باتت أبعد ما يكون عنا، بل فرض المستبدون الجدد علينا قوانينهم الجائرة التي تناسب امتدادهم وتحافظ على بقائهم».
بحسب «صفاء» عندما تصف المنطقة بأنها باتت محررة، فهذا يعني «أنها تخلصت من المحتل الذي كان يهوي بها في أعماق الظلام وخرجت إلى النور المنشود، وهذا ما لم يحدث خلال أربع سنوات مضت عن رحيل النظام، مناطقنا خارجة عن سيطرة النظام السوري نعم، إلا أن تكون محررة فــلا، ليست هذه الحرية التي حلمنا بها».
عائلات كثيرة تركت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في ريف حلب وتوجهت للعيش في المدينة، لاسيما تلك العائلات التي لا تحتوي على مطلوبين للنظام، حيث أنهم وجدوا أن المكان الأقل خطرا هو مكان تواجد النظام، إذ تخلو تلك المواقع من القصف إلا في حالات نادرة، كما أن مستوى الخدمات فيها رغم سوئه لا يزال أفضل من باقي المناطق، فيما تعمد النظام مؤخرا تحسين معاملته مع الأهالي، وذلك بغية تحشيدهم شعبيا ونفسيا ضد مقاتلي المعارضة، لكن أهالي المناطق البعيدة عن قبضة النظام ينظرون إلى أولئك على أنهم شبيحة محبين للنظام ويتهمونهم أنهم يمتلكون علاقات جيدة معه وهذا ما يشجعهم على البقاء.
المصدر : الإتحاد برس