ماذا بعد الرياض؟


ijtmaالمصدر – آدم ملحم

لم يكن توافق المعارضة السورية على تشكيل هيئة عليا للتفاوض في مؤتمر الرياض ليتم، لولا تأثير الحلف الاقليمي الداعم للثورة السورية، فالخلافات بين أقطاب المعارضة لم تعد خافية على أحد بعد سنوات الثورة الخمسة، وكذلك التباينات الكبيرة بين الكتل السياسية والفصائل العسكرية في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية وشروطها، وبرغم مارشح عن مؤتمر الرياض من شروط تبدو واضحة للدخول في عملية التفاوض، إلا أنه وبحسب الكثير من المحللين السياسيين والناشطين لايعني بحال من الأحوال بدء الحل السياسي في سوريا واجتياز العقبة الأكبر في سبيل بلوغه، رغم أهمية ما تم التوصل إليه.

فالتصريحات المتتالية التي أعقبت المؤتمرمن جهة، تضع بما لايدع مجالاً للشك نوايا الحلف الداعم للنظام، موضع تساؤل عميق، هل فعلاً سيقبل هذا الحلف بحل سياسي تفاوضي يفضي إلى إزاحة الأسد عن السلطة، وإحداث تغيير حقيقي في ماهية النظام السوري القائم؟، يبدو ذلك موضع شكوك كبيرة، مع إصرار النظام ومن وراءه الداعمين الروس والإيرانيين على التشكيك بنتائج المؤتمر والأطراف المتحاورة فيه، وخلط الأمور باتهام بعض الفصائل العسكرية بالارتباط بداعش، بعدما فشل الرهان على إمكانية نجاح مؤتمر الرياض، وفق عشرات التصريحات التي تتالت عقب أنتهاء أعمال المؤتمر من النظام وحلفائه، وهو محاولة بحسب بعض الأراء للانقلاب على ماتم التوصل إليه في فيينا، فكيف سيكمل المسار التفاوضي طريقه في الوصول إلى حل حقيقي للحرب السورية؟.

ومن جهة أخرى فإن الطرف الذي سيفاوض باسم المعارضة، مازال بعيداً عن التجانس في الموقف رغم الخطوات التي تحققت في مؤتمر الرياض، لجهة تعدد الداعمين وتباين مصالحهم، والهوية المجهولة لما بات يعرف بمعارضة الداخل ومدى التزامها وغيرها من الأطراف الداخلة في العملية التفاوضية بمصالح السوريين حقاً وهو ماشكل أحد الأسباب الأساسية لانسحاب حركة أحرار الشام من المؤتمر وفق بيانهم الصادر عن الحركة رغم توقيع ممثلها على بيان مؤتمر الرياض، إضافة إلى التباين بين الشقين السياسي والعسكري للمعارضة، وأمام ذلك فإن تساؤلاً من قبيل ماذا لو فشل المسار التفاوضي مجدداً في الوصول إلى حل؟ وما هو أثر ذلك على إعادة صياغة المعارضة لذاتها وتوافقاتها، بعد مابدا أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة قد حزم حقائبه من واجهة الصراع السوري؟ هل سينعكس مؤتمر الرياض سلباً على المعارضة السورية في حال فشل المساعي التفاوضية، فيزيد من شرذمتها وانقسامها، وانغلاق كل طرف من أطرافها على ذاته؟.

ويرى البعض أن نجاح مؤتمر الرياض ليس كافياً للوصول لحل سياسي حقيقي على الأرض، في ظل الكثير من المؤشرات التي تلمع بين السطور في العواصم العالمية المعنية بالأزمة السورية، وسيواجه المفاوضون طريقاً وعراً من محاولات الالتفاف واللعب بالألفاظ والمفردات، ولن يكون النظام بموقع الضعيف في العملية التفاوضية، فمن يدعمه متفق تماماً على صيغة بقاءه بتباينات ضعيفة، ومن يدعم الثورة متباين جداً إلا في نقاط قليلة، خاصة مع المحافظة على خطوط التماس بين الفصائل العسكرية وقوات النظام على الأرض، واستمرار النوايا الروسية بمواصلة الحرب على الأراضي السورية ، وهو مايجعل أي حل سياسي سيمر من المظلة الروسية، وبالتالي صعوبات كبيرة في عملية التفاوض تتطلب فيما تتطلب مهارة كبيرة من المفاوضيين كي يتجنبوا ابتلاع الطعم، والانجرار وراء انقسامات جديدة، قد لايفلح معها رياض جديد في إعادة هيكلتها وتوحدها، وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً للحرب السورية.

في حين يرى آخرون أن مهارة المفاوضين ليست هي المعيار الحقيقي لنجاح الحل السياسي للأزمة السورية، كون الأزمة باتت دولية، وإيجاد حل لها ضاع من يد السوريين في الوقت الراهن، وأن جولات التفاوض ستستمر شكلياً حتى إنهاك جميع المتحاربين، وان التمسك الروسي والإيراني برأس النظام، وتحديد شكل رحيله سيبقى ورقة اللعب الرابحة التي ستجري المزاودة عليها طويلاً، في ظل غياب تعهد واضح برحيل الأسد عن السلطة، إضافة إلى الكثير من النقاط الأخرى التي سيعمل الحلف الداعم للنظام على المزاودة عليها كأولوية محاربة الإرهاب على الحل السياسي.

فهل أمام السوريين جولات لاتنتهي من التفاوض وسلاسل طويلة من المؤتمرات العالمية التي ستقام على أنقاض مؤتمرات قديمة، بانتظار التوصل إلى اتفاق الكبار على الحل، أم أن مؤتمر الرياض وضع بداية الحل للأزمة على الطريق الصحيح، وأن خطوات المعارضة السورية ستتسابق بكفاءة عالية للخروج من العملية التفاوضية بما يحفظ للسوريين حقوقهم بعد سنوات الحرب الطويلة التي ماتزال تفتك بأموالهم وأبنائهم؟ سؤال قد تبدو الإجابة عنه مبكرة بعض الشيء.


المصدر : الإتحاد برس