أبو محمد الجولاني والليرة السورية *

13 ديسمبر، 2015

  • عدنان عبد الرزاق – زمان الوصل

ثمة كلمة بمثابة لازمة دائمة، لابد أن تسبق براغماتيات السياسة وتحولات الميدان، وتكون بوصلة الجميع، بمن فيهم تجار الثورة، الذين ركبوا عليها ولسان حالهم يقول “سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنون”. اللازمة هي سوريو الداخل بشقيهم، من رفض الخروج لأي سبب، والذي لم يستطع الخروج، أيضاً لأي سبب، ولا يستثنى من اللازمة، إلا من بقي في سوريا لأنها “سورية الأسد”، وأستُميل لدافع نفعي، أو تخويفي وطائفي. بداية القول: وصل سعر صرف الليرة، اليوم الأحد، مقابل الدولار، 400 ليرة سورية، في أدنى سعر وصلته العملة السورية، ليس منذ مطلع الثورة وقت لم يزد سعر صرف الدولار عن 50 ليرة، بل ومنذ استقل النقد السوري بزمن حكومة خالد العظم، بعد الانقلابات الثلاثة الشهيرة، ورفض رياض الصلح -رئيس الحكومة اللبنانية وقتذاك- مقترح العظم “وحدة اقتصادية ونقدية…أو انفصال جمركي عاجل”. ما يعني أن راتب، من بقي له راتب، لم يعد يساوي مئة دولار، ولا يكفي شراء برميل مازوت، بعد عودة ارتفاع، حتى مازوت “داعش” بالشمال السوري المحرر، لنحو 200 ليرة لليتر، ووصول سعر كيلو البندورة 200 ليرة وغرام الذهب 12000 ليرة سورية. ويعني فيما يعني، أن أهلنا بالداخل، وأمام كلمة بابا جوعان وماما بردان، قد يضطرون لمد يدهم للشيطان، ليبقوا وأولادهم على قيد الحياة، ويبدو لومهم من سوريي الخارج، على لباس محدد أو حتى انصياع ما، هو ترف وعدم شعور بما يكابده من بقي لخمس سنوات يقتات على الوعود والأمل والبراميل والترهيب. قصارى القول: كما من نافل القول البحث في سبب وتوقيت خروج “أمير جبهة النصرة” بمؤتمر صحافي أمس، وما سببه ذلك الخروج من عقابيل آنية بنفوس أهلنا الطيبيين، وما قد يسببه لاحقاً بصفوف المعارضة، بشقيها السياسي والمقاتل، ربما أيضاً، من لزوم ما لا يلزم البحث بسبب تراجع سعر صرف الليرة إلى ما قبل الانهيار، بدورية أمن أو باعتقال صاحب شركة صرافة. ببساطة لأن جميع عوامل استقرار النقد، الاقتصادية والنفسية، فقدتها الليرة، ابتداء من الاحتياطي النقدي المقدر بنحو 18 مليار دولار قبل الحرب على الثورة، مروراً بتوقف عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي، ومن ثم توقف التحويلات الخارجية وتصدير النفط الذي كان يساهم بنسب كبيرة بالناتج والموازنة، وصولاً لعدم ثقة المدخّرين والمكتنزين، لدرجة عدم التعامل بالليرة السورية بغير منطقة سورية و دعوة القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي التعامل بالليرة الذهبية السورية أثناء فرض المهر، بعد انخفاض قيمة الليرة السورية إلى العُشر. بل ربما الأجدى البحث في لماذا ظهر الشيخ الجولاني وماذا كان سيحصل، لسيرورة الحل السياسي الخالي من بشار الأسد، فيما لو لم يقم مؤتمره الصحافي، وأيضاً التطرق إلى أسباب عدم انهيار الليرة بواقع فقدانها -كما أسلفنا– جميع مبررات إبقائها على قيد التداول، وهنا ربما من الضرورة الإشارة إلى دعم حلفاء الأسد، في طهران وموسكو، لليرة، سواء عبر ضخ كتل دولارية مباشرة بالسوق النقدية، أو حتى فرض السعر السياسي الذي تسانده روافد كثيرة، قد يكون بيع تنظيم الدولة “داعش” النفط بالليرة السورية، أهمها. نهاية القول: من تابع المؤتمر الصحافي لأمير جبهة النصرة أبي محمد الجولاني ليل أمس، فربما يصل، ودونما عناء تحليل، إلى أن الحرب بسوريا طويلة، وقد لا تنتهي بسقوط بشار الأسد، ما يعني بقاء أهلينا بالداخل، وربما لعقود، أسرى الايديولوجيات والمشاريع الخارجية وتصفية الحسابات الدولية، أسرى لقمتهم ودفئهم وحتى مواقفهم ومصائر أولادهم. أي، الاستمرار بتناقضات الواقع والتباساته، بكل ما فيه من قبح ودفع أثمان، لم يك جلها بحسبان السوريين، وقت انتفضوا لكرامتهم ونيل حريتهم. واستمرار لثنائيات الوجودية والعدمية، كذاك الشعار المشؤوم “الأسد أو نحرق البلد”، فأن يتم لدعوة انهيار الليرة السورية دون تأمين دخل بعملات بديلة لسوريي الداخل، كمثل من يدعو للقتال إلى آخر سوري وهو ينعم بدفء الفنادق وحصانة السفارات وحسناوات العواصم الأوربية، وتجاهل الخيار الثالث الواقع خارج حدي تلك الثنائيات، فبين “الأسد أو نحرق البلد” هناك خيار حق السوريين ببلد غير محروق وخال من الأسد، كما خارج انهيار الليرة وتجويع السوريين خيارات تبقي على قيد الاستمرار، من يحمّل عليهم الجميع “أهلنا الصامدين” مبررات نضالهم ووجودهم وأحلامهم المستوردة.

13 ديسمبر، 2015