مؤتمرات المعارضة السورية وتعدُّد المرجعيات


e79ea3bc-f1be-4ade-bca5-aaf028a2c33c

عقد السوريون ثلاثة مؤتمرات متزامنة بدأت يوم الثامن من الشهر الحالي ويدوم كل منها يومين أو ثلاثة أيام، الأول في الرياض برعاية سعودية وضمناً تركية وقطرية، والثاني في دمشق ضم الأحزاب المرخصة التي تأسست خلال السنتين الماضيتين، وبالتالي فالمؤتمر تحت رعاية النظام السوري، والثالث عقد في الرميلان قرب الحسكة في المناطق التي يسيطر عليها «الحزب الديموقراطي الكردي».
حدد مؤتمر الرياض مهمته بالتوافق على برنامج موحد للمفاوضات المتوقعة واختيار الوفد المفاوض، وقد دعت السعودية عديداً من فصائل المعارضة لهذا المؤتمر، وهي في الواقع أكبر الفصائل، منها «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» و «هيئة التنسيق الوطنية» وممثلون عن المسلحين وفصائلهم المحاربة في سوريا والتي بلغ عدد المدعوين منها ستة عشر مدعواً. كما دعت عدداً من المستقلين وبعضهم في الواقع في منظمات للمعارضة لم تشأ السعودية أن تدعوها كجسم سياسي بل دعت أفراداً منها كشخصيات مستقلة. وقد أُقصيت شخصيات عديدة لم تُدْعَ للمؤتمر تحقيقاً لرغبة الأطراف الثلاثة المشرفة على المؤتمر أو بعضها، وأعني تركيا والسعودية وقطر.
والمؤتمر الثاني عقد في دمشق تزامناً مع مؤتمر الرياض وضم ممثلين عن سبعة عشر حزباً مرخصاً وبعض الشخصيات المستقلة. ولا شك أن هذا المؤتمر مرضي عنه من قبل النظام وشجع على انعقاده، وقد صرح بعض المشاركين بأن مهمة المؤتمر اختيار عشرة أشخاص وتقديمهم لديميستورا المبعوث الدولي على أنهم الوفد المفاوض أو أعضاء في الوفد المفاوض الذي يختاره مؤتمر الرياض، وأكد القائمون على المؤتمر أن مؤتمر دمشق ليس معادياً لمؤتمر الرياض بل يحتج على إقصاء ممثلين عن هذه الأحزاب عن حضوره.
أما المؤتمر الثالث فعقد برعاية «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وضم بعض الأحزاب الآشورية والكردية وممثلين عن بعض الفصائل العربية المعارضة، ولم يصرح أنه مهتم كثيراً بالمفاوضات المقبلة وبالوفد المفارض، إنما اهتمامه ينصب على تشكيل تجمع عربي كردي، مع احتجاجه على أن مؤتمر الرياض لم يَدْعُ مكوناً كردياً واحداً، وأقصى جميع المكونات الكردية. وفي الواقع، فإن تركيا ضغطت كي لا يدعى أيُ كيان كردي، ورفضت مشاركة رئيس «الحزب الديموقراطي الكردي» صالح مسلم في مؤتمر الرياض.
توحي هذه المؤتمرات الثلاثة بعدم استقلالية المشاركين فيها استقلالاً جديا ًوكاملاً، فمؤتمر الرياض تهيمن عليه السياسة السعودية ومواقف شركائها بشكل واضح، وبالتالي سيكون برنامج المفاوضات الذي سيضعه قريباً من الموقف السعودي من النظام السوري، كما سيكون الوفد المفاوض المنتظر قريباً أيضاً وسيكون مرضياً عنه من قبل الدول الثلاث السعودية وقطر وتركيا، وسيحدث ضغط شديد على أعضاء الوفد لتبني مواقف هذه البلدان وستكون كلها أو بعضها مرجعيته خلال المفاوضات.

أما مؤتمر دمشق فإنه يتماهى مع موقف النظام وسيكون برنامجه متناغماً مع طلب النظام كما يأتمر أعضاؤه بأمره ويعتبرونه مرجعيتهم، ومن المعلوم أن بعض هؤلاء الأعضاء شارك في مؤتمري موسكو، وستقدم أسماء أعضاء الوفد المفاوض إلى ديميستورا تمهيداً لموافقة دول مؤتمر فيينا على أعضاء هذا الوفد. ومن المفروض، نظرياً على الأقل، أن تبدأ المفاوضات مطلع الشهر المقبل بين النظام والوفد المختار متزامنة مع وقف إطلاق النار، وتمهيداً لدوران عجلة التسوية التي تقتضي تشكيل حكومة انتقالية تضع مشروع دستور وتجري عليه استفتاء كما تُجري انتخابات نيابية ورئاسية، ولكن هذا القرار الذي اتخذه مؤتمر فيينا 2 يبقى قراراً نظرياً إذا لم يوافق عليه النظام السياسي السوري، وعلى الغالب لن يوافق عليه النظام، فقد صرحت وزارة الخارجية الإيرانية بأن السعودية غير مكلفة بعقد مؤتمر الرياض وبالتالي فإنها لن تعترف به. كما صرح أكثر من مسؤول سوري أن النظام لن يقبل أي فترة انتقالية، وبالتالي فإنه سيرفض معظم قرارات فيينا 2. وتلكأ الحليف الروسي كثيراً في الموافقة على قرارات فيينا وهو يرفض الآن نقل المؤتمر إلى نيويورك الذي دُعي إلى الاجتماع يوم 18 الجاري. ومن الواضح أن الحليف الروسي هو أقرب إلى موقف النظام منه إلى موقف مؤتمر فيينا، إلا إذا استطاعت الديبلوماسية الأميركية عقد صفقة تقنعه بقبول عقد مؤتمر نيويورك.
من الملاحظ أن جميع الأطراف موافقة، على الأقل، على التفاوض تزامناً مع وقف إطلاق النار. وهذه خطوة هامة متقدمة وإيجابية وتنبئ بإمكانية السير في مسيرة التسوية، كما تنبئ أن الجميع تعبوا من الأوضاع القائمة، فقد تم استنزاف إمكانياتهم وقدراتهم البشرية والمادية، وربما اقتنعت الأطراف جميعها بعدم إمكانية الحل العسكري وضرورة العودة للحل السياسي.
الملاحظ أيضاً أن أطراف المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر الرياض اهتمت اهتماماً فائقاً بأمرين اثنين: أولهما عدد أعضائها المشاركين في المؤتمر، وثانيهما عدد أعضائها الذين سيشاركون في الوفد المفاوض، ولم تهتم كثيراً بالإطار العام للبرنامج والمطالب التي ستفاوض النظام عليها. والأهم من هذا كله أنها لم تهتم بمرجعية الوفد المفاوض خاصة، أنه يمثل أطرافاً عدة، وليس هناك قيادة واحدة يمكن أن تكون مرجعية له. علماً أن الأهم هو مرجعية الوفد المفاوض، خاصة أنه سيواجه تفصيلات عديدة خلال المفاوضات ويحتاج لأجوبة وتوجيهات سريعة. وبالتالي فإن الوفد يحتاج لمرجعية حاضرة دائماً للإجابة عن أي سؤال ومعالجة أي أمر طارئ خلال المفاوضات. كما أنه من الصعب الاتفاق على مرجعية واحدة تمثل أطراف المعارضة كافة لوجود تباين في أهداف فصائلها ورغباتها. وعلى ذلك فالخلاف على المرجعية سيكون خلافاً كبيراً، سواء ما يتعلق ببقاء الرئيس من عدمه أم بمدة الفترة الانتقالية وبالدستور وبأولوية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خاصة أن مؤتمر فيينا لم يستطع بت أسبقية أي منهما، فقال بـ «إجراء انتخابات».
توازياً، فإن المهمة التي كُلّف بها الأردن، لناحية إعداد قائمة موحدة بالمنظمات الإرهابية، هي في غاية الصعوبة، لأن على الذين سيختارون أسماء المنظمات الإرهابية أن يقرروا معايير لاختيار هذه المنظمات. وهم سيقعون في مشاكل صعبة جداً، ذلك أن بعض أعضاء مؤتمر فيينا يرى في «حزب الله» و «الحرس الثوري الإيراني» وفصائل «أبي العباس» العراقية والفصائل الأفغانية والباكستانية المشاركة في الصراع السوري منظمات إرهابيةً، بينما لا يشارك آخرون من أعضاء المؤتمر هذا الرأي، بل يرون أن بعض المنظمات المسلحة التي تعمل في سوريا مثل «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» وغيرهما يمثل الإرهاب. ولا يتفق الطرفان سوى على «داعش» و «النصرة» برغم أن البعض يعتقد أن «النصرة» قابلة لفك ارتباطها بـ «القاعدة».
بقي القول إن الصراع في سوريا أكثر تعقيداً من أن تحله المؤتمرات مهما تعددت. فالصراع صار إقليمياً بل دولياً، فيما تقع ويلاته الكبرى على الشعب السوري وحده.