ما بعد ‘الرياض’ ليس كما قبله
13 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
- ثائر زعزوع – العرب
بيان الرياض وضع النقاط على الحروف، وحدد منهاج عمل واضح وكامل لمرحلة التفاوض التي ينتظر الجميع أن تبدأ قريبا.
لا يمكن بطبيعة الحال اعتبار مؤتمر الرياض بداية للعمل السياسي المعارض لنظام بشار الأسد، لكنه بكل تأكيد يشكل خطوة متقدمة في إطار عمل المعارضة السورية. فقد استطاع جمع كافة أطياف المعارضة تقريبا، بما فيها فصائل عسكرية مهمة، ووصل المؤتمرون إلى صيغة موحدة للمرة الأولى منذ سنوات من العمل الذي يمكن وصفه بالعشوائي وغير المنظم، والذي تخلله الكثير من الخلافات ما بين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وما بين القوى الأخرى سواء منها الفاعلة على الأرض والتي كانت تنظر للائتلاف على أنه بلا فائدة، أو بعض القوى السياسية التي كانت تتصيّد أخطاء أعضاء الائتلاف وتصوّرها على أنها استمرار لنهج الفشل السياسي الذي ورثه المنضوون تحت راية الائتلاف من الحقبة الأسدية الطويلة. ولا يخلو هذا الاتهام من بعض الدقة، وإن كان يؤخذ على الكيانات الأخرى أنها ارتكبت بدورها بعض الأخطاء الكارثية التي أطالت من عمر المعاناة السورية، ومن عمر النظام في الوقت نفسه.
وإذا كان بيان الرياض قد وضع النقاط على الحروف، وحدد منهاج عمل واضح وكامل لمرحلة التفاوض التي ينتظر الجميع أن تبدأ قريبا، كما صرّحت بذلك واشنطن التي باركت بدورها اجتماعات الرياض واعتبرتها خطوة على الطريق الصحيح، ليس حرفيا، لكن على الأقل هذا ما يمكن تلمّسه من خلال الموقف الأميركي الداعم لجهود المملكة العربية السعودية، التي تبدو تصريحات كبار مسؤوليها متقدمة جدا. بل إن إصرار السعودية على الوصول بهذا الملف المعطّل إلى ما يمكن اعتباره بر أمان، تبدو أولوية بالنسبة إلى كبار مسؤولي المملكة الذين لم يفوتوا فرصة انعقاد مؤتمر قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالتزامن مع انعقاد أعمال مؤتمر المعارضة السورية، ليؤكدوا أن المملكة جادة في الوصول إلى حل يوقف نزيف الشعب السوري، ويحقق له آماله وتطلعاته في بناء دولة حرة، وبأن بشار الأسد سيرحل سلميا من خلال التفاوض أو عسكريا، كما كرّر ذلك أكثر من مرة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
وعلى الضفة الأخرى لم تخف كل من موسكو وطهران امتعاضهما من المؤتمر، وقد اعتبر بعض السوريين هذا الموقف الروسي الإيراني دليلا على نجاح المؤتمر.
موسكو، وكالعادة، تعلّلت بالحرب على الإرهاب، وهي تدرك تماما أنها فشلت في تمكين الأسد على الأرض كما كانت تخطط، وأنه وبعد أكثر من شهرين من القصف المتواصل والدعم الجوي بلا حدود والذي تسبب بمقتل الآلاف من السوريين حتى الآن. كل هذه المساندة لم تستطع قوات الأسد أن تترجمها بانتصارات واضحة على الأرض، واكتفت بالوصول إلى مناطق معيّنة صباحا لتعود وتخسرها مساء، ولعل هذا ما يجعل موسكو غير قادرة على إدارة العملية كما كانت تخطط، وهي مضطرة بالتالي للقبول بحل تفاوضي يحفظ ماء وجهها.
الأمر نفسه ينطبق على الجانب الإيراني الذي لم يعد يكتفي بالانسحاب، بل إن نزيف قادته العسكريين وكبار ضباطه مستمر، وخاصة بعد أن باتت ميليشيا حزب الله عاجزة عن رفد الجبهة بمقاتلين جدد، بسبب الخسائر المتلاحقة والنعوش التي يتم تشييع ما تخفيه من أسرار كل يوم تقريبا في ضاحية بيروت الجنوبية، وإلى متى؟
لا أحد يمكنه التكهن بذلك، إذ تبيّن أن الثوار قادرون على الاستمرار في القتال دون توقف، وهم قادرون على تكبيد أعدائهم خسائر بشكل مطّرد، بل إن خبرتهم وقدرتهم القتالية تتطور بشكل ملحوظ. ولا يمكن التعويل على قوات النظام المهلهلة سواء في إعادة لملمة الدولة السورية المشتتة أو في قتال تنظيم داعش، وهو ما تتجه أنظار واشنطن إليه، في المرحلة اللاحقة، وقد عنونت واحدة من كبريات الصحف البريطانية بأن داعش هو العدو لكن الأسد هو المشكلة، وعليه فإن الابتهاج الذي أبداه ما يعرف بـ”محور المقاومة” بتصريحات متباعدة لعدد من المسؤولين الأوروبيين عن إمكانية إشراك الأسد في مرحلة انتقالية، أو التعاون معه لمحاربة داعش، لم تلبث أن خفتت، فالأسد مهزوم عاجلا أم آجلا، وعلى المجتمع الدولي أن يعد العدة لمرحلة ما بعد الأسد بكل تداعياتها واحتمالاتها، وقد يكون هذا هو العنوان الذي لم يتم الإعلان عنه لمؤتمر الرياض، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت قد أعلنت في وقت سابق من هذا العام، أن مؤتمر المعارضة السورية سيكون تحت هذا العنوان.
أخيرا، ثمة مفارقة لافتة تتمثل في إيعاز النظام لبعض الأحزاب والقوى المعارضة التي فصّلها على قياسه كي تعقد مؤتمرا في دمشق بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الرياض، ويخرج المؤتمر ببيان ختامي يؤكد أن المجتمعين لا يقبلون تدخلا من أحد في شؤون سوريا الداخلية، والمقصود هنا المملكة العربية السعودية تحديدا، لكنهم بكل تأكيد لا يمانعون في قبول الوصاية الروسية والتوجيهات الإيرانية.