‘د. عبدالله خليفة الشايجي يكتب: حالة العرب.. لا قرار ولا مشروع!’
14 ديسمبر، 2015
د. عبدالله خليفة الشايجي
تحدثنا كثيراً، بألم وحرقة، في هذه المساحة عن حالة التراجع والضعف العربي، وعن غياب مشروع عربي يمنع ويردع ويتصدى للمشاريع الإقليمية والدولية التي تستمر في الهيمنة وفي فرض مشاريعها التي تهدد أمن واستقرار ومستقبل العرب. ويُضاف للمشروع الأميركي الذي يدفع العرب فاتورته المكلفة منذ عقود، بدعم احتلال فلسطين والعمل على إبقاء وحماية هذا الاحتلال عبر ضمان إدامة التفوق الإسرائيلي.. يضاف إلى ذلك المشاريع الإقليمية، الإسرائيلية والإيرانية والتركية. واليوم دخل على الخط المشروع الروسي. وتتقاطع هذه المشاريع على أراضٍ عربية، وضحايا تلك المشاريع هم جميعاً من العرب، شعوباً وأنظمة. لذلك أصبح حال العرب اليوم مؤسفاً! لم يعد هناك وطن عربي، بل جغرافيا مفككة ومتشظية على طاولة التشريح.
صارت مشاريع الآخرين تتحكم بنا وتقتل شعوبنا وتغزو أراضينا وتعتدي على سيادتنا. وقد أكدت الاستخبارات الغربية نهاية الشرق الأوسط القديم، وذلك عبر تقسيم العديد من دوله التي لن تعود كما كانت عليه. فيما نخوض حروباً يقتل فيها بعضنا البعض، ونتصارع داخلياً، ونتابع تجربة إيران التي باتت على عتبة امتلاك القوة النووية، وهي تجرب صاروخ «قدر» البالغ مداه 1500 كلم، وكذلك باكستان النووية التي تجرب صاروخاً بالستياً متطوراً.. ويتحول بعضنا وقوداً لمشاريع الآخرين! هذه هي حال العرب الصعبة!
في زمن الوهن العربي يبرز مجلس التعاون القائد الفعلي للنظام العربي المتعثر، ليأخذ بزمام الأمور وسط عواصف وكوارث عاتية تحيط بنا وتهددنا جميعاً. عقدت دول مجلس التعاون الخليجي قمتها السادسة والثلاثين في الرياض عاصمة القرار العربي، حيث تقود دول مجلس التعاون الخليجي النظام العربي وتتصدر حربين إقليميتين مفتوحتين في اليمن، «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، لاحتواء تمدد مشروع إيران في المنطقة وحصاره بعد أن أصبح تهديداً رئيسياً للأمن العربي.
للتعرف على أي المشاريع الإقليمية الأخطر والأكثر تهديداً للعرب من وجهة نظر شعبية، طرحت في حسابي على موقع «توتير» الأسبوع الماضي، سؤالا ضمن استطلاع رأي يحق لكل متابع لحسابي أن يصوت فيه لمرة واحدة فقط على سؤال: «تتقاطع مشاريع دول إقليمية في منطقتنا. باعتقادك أي من تلك المشاريع تشكل أكبر خطر على أمن ومستقبل الأمة العربية؟». استمر التصويت 24 ساعة لإبداء الرأي حول أي المشاريع التالية الأكثر خطراً: 1-المشروع الإسرائيلي، 2-المشروع الإيراني، 3-المشروع التركي، 4-غياب مشروع عربي؟ وبعد مشاركة 1266 من المتابعين لحسابي في تويتر، كانت النتيجة: 2% رأوا أن المشروع التركي هو الأخطر، و9% رأوا أن المشروع الإسرائيلي هو الأخطر. بينما رأى 38% أن غياب مشروع عربي جامع يتصدى للمشاريع الإقليمية هو أخطر تهديد للعرب. وكان رأي 51% أن المشروع الإيراني هو الأكثر تهديداً للعرب، ما يدل على النظرة السلبية لإيران لدى كثير من العرب.
وكان لافتاً في الأسبوع الماضي خرق سيادة دولة عربية هي العراق، حيث توغلت قوات تركية داخل الأراضي العراقية إلى قاعدة عسكرية قرب الموصل شمال العراق، واتهام حكومة بغداد لتركيا بالاعتداء على سيادة العراق، وقد ردت تركيا بالقول إن التوغل هو بالتنسيق مع الحكومة العراقية منذ عام 2014، وذلك لتدريب القوات العراقية، وضمن الحرب على تنظيم «داعش»! كما كانت لافتة صحوة حكومة العراق المتأخرة، وكذلك مطالبة السيستاني، عبر ممثله في خطبة الجمعة، برفض إرسال قوات للعراق بحجة محاربة الإرهاب، ومطالبة جميع دول الجوار بسحب قواتها واحترام سيادة العراق! ألا يجب أن يطلبوا كذلك وقف الحرب على «داعش»، والتي تشنها 65 دولة بقيادة الولايات المتحدة وتخرق سيادة العراق؟! ومع هذا، فإن موقف السيستاني واقعي ومسؤول. لكن لماذا هذه الصحوة المتأخرة؟! تقوم منذ عام ونصف 65 دولة بخرق سيادة سوريا والعراق، وقبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد احتلت العراق، قبل أن تسلمه للسيطرة الإيرانية! كما تحتل «داعش» ثلث العراق! ولم نسمع احتجاجاً على خرق سيادة العراق، لا من السيستاني ولا من المالكي ولا من العبادي.
واليوم تتحرك المؤسستان الدينية والسياسية في العراق رداً على اعتداء تركيا على سيادته! لكن هل يشمل مصطلح دول جوار العراق النفوذ الإيراني الذي يعتدي على سيادة العراق؟! وكذلك قوات الحرس الثوري الإيراني؟ ووجود «اطلاعات» إيران؟! وأين الشكوى العراقية ضد خرق سيادة العراق العربي؟!
واضح أن العراق وسوريا ودول عربية أخرى فقدت السيادة وتراجعت فيها قدرة الحكومات المركزية على مواجهة المليشيات المسلحة، والتي باتت أقوى من الدولة هناك، كما هو الحال مع «حزب الله» في لبنان والمليشيات المسلحة الأجنبية في سوريا و«الحشد الشعبي» في العراق والحوثيون في اليمن و«حركة الشباب» في الصومال، وطبعاً «داعش» التي تسيطر على نصف سوريا وثلث العراق وتشتبك مع جيوش مصر وسوريا والعراق ولبنان وتشن عمليات إرهابية في السعودية والكويت وليبيا واليمن!
وهكذا يبقى العديد من الدول العربية مسرحاً لتصفية حسابات ولشن حروب باردة إقليمية ودولية تتقاطع وتتصارع على أرضنا العربية، فيما نحن كعرب لا نملك قرارنا في مواجهة الدول والمليشيات، ما يمنع ويؤخر بلورة مشروع عربي جامع يتصدى ويردع ويمنع تلك الدول ومشاريعها والمليشيات ومخططاتها!
المصدر: الاتحاد