مؤتمر الرياض يرسم ملامح أزمة جديدة حول سوريا
14 ديسمبر، 2015
سليم نصار
قبل إنعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، صدرت عن بعض المسؤولين سلسلة تعليقات يمكن استلهامها لرصد توجهات المزاج السياسي حول هذا الموضوع الشائك.
الرئيس الاميركي باراك اوباما اختصر موقفه بالقول: “لا يمكنني أن أتصور وضعاً نستطيع فيه إنهاء الحرب الأهلية في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة”. وقال أيضاً في تفسير سياسته المحاذرة “إن النزاعات الاقليمية ستستمر الى أن نتمكن من إيجاد حل سياسي للوضع السوري. أي الى الوقت الذي لا يعود فيه الرئيس الأسد عائقا أمام الغالبية السنيّة… أو الى الوقت الذي لا تعود فيه المنطقة برمتها تخوض حرباً بالوكالة عن الصراع الشيعي – السنّي!”.
وردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذا الطرح بالقول إنه لا يملك الحق في مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بضرورة التنحي عن السلطة، خصوصاً أنه منتخَب من الشعب. وأكمل وزير خارجيته سيرغي لافروف بطرح عرضٍ قابل للنقاش قال فيه: “نحن على استعداد لتعاون عملي مع دول الائتلاف بهدف تحديد الشروط التي ستحترم على وجه التأكيد سيادة سوريا… والامتيازات التي تتمتع بها القيادة السورية”.
وكان من الطبيعي أن تنحاز طهران الى موقف موسكو، بدليل أن مساعد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، أيد سياسة بوتين قائلاً: “نحن في مؤتمر فيينا الثاني لم نسمح بالحديث عن مصير بشار الأسد كوننا نعتبره الرئيس الشرعي لسوريا. كما نعتبر أنه من حق أي شخص لديه المؤهلات – بمن في ذلك بشار الأسد – الترشح في نهاية العملية السياسية!”.
من جهته أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن معارضته الكاملة لبقاء الأسد في الحكم. ويُستدَل من تصاريح غالبية الحكام الغربيين أنهم ميّالون الى إزاحة الأسد قبل التوصل الى مخرج مريح. علماً أن المتفاوضين شدّوا الحبل في إتجاهات متباينة، ما عدا ايران وروسيا اللتين انحازتا للأسد. وفي تفسير قدّمه بوتين لمعارضي إندفاعه، قال إنه يخشى إنهيار المؤسسات السورية في خضم مساعي إسقاط بشار الأسد وأنصاره في الجيش وبين الشعب.
ويبدو أن لايران أسباباً أخرى تمنعها من المقامرة بمصير العلويين، حلفائها منذ عهد حافظ الأسد. وحجتها أنها تتجنب تكرار كابوس “طلبنة” سوريا. ذلك أنها عانت من نفوذ “طالبان” لدى جارتها أفغانستان. وهي بالتأكيد تمانع في حكم أمثالهم في سوريا والعراق. وعلى هذا الأساس اشترك الروسي والايراني في الدفاع عن النظام السوري بعدما ساهمت تركيا والولايات المتحدة ودول عربية سنية في رفع مستوى أسلحة المعارضة بالصواريخ والمضادات. ومع تنامي هذا التهديد، تعذر على أي فريق إحراز نصر حاسم، الأمر الذي فرض على جميع الأطراف ضرورة التفاوض.
عقب مؤتمرين في فيينا، اجتمع في الرياض ممثلو الميليشيات وحركات المعارضة السورية من أجل اختبار مدى الاستعداد لتوحيد الصفوف. والغاية من كل هذا إجراء مفاوضات مع ممثلي النظام السوري بغية الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة تقوم بوضع دستور حديث، والاعداد لانتخابات جديدة.
ايران التي وافق ممثلها في فيينا على طبيعة المؤتمر أبدت بعض الاعتراض، لاعتقادها بأن المناقشات ستتم في بلد محايد مثل سويسرا والسويد، وليس في الرياض. لذلك إدّعت أن الرياض سرقت منها الدور الذي تبنته في فيينا، وأنها لم توجه الدعوة الى كل المعنيين. وكانت سبعة أحزاب كردية قد وجهت رسالة إعتراض الى وزارة الخارجية السعودية تشكو فيها هذا التجاهل.
ولكن هذا كله لم يقلل من أهمية الدورة الخليجية الـ 36 في الرياض بمشاركة 103 ممثلين اجتمعوا طوال يومين بهدف الاتفاق على وثيقة مستوحاة من مؤتمر فيينا ومتفرعاته. ولقد مهد الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمة الافتتاح لنشر جو مريح للنقاش، داعياً الى ضرورة تحصين الدول العربية من الأخطار الخارجية، والمساعدة على استعادة الأمن والاستقرار والازدهار، وكل ما فقدته المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية.
على هامش المؤتمر، تحدث بعض زعماء الفصائل عن هيمنة ايران على النظام السوري، وعن سرقة روسيا لدور ايران. وذُكـِر في هذا السياق أن الروس سيطروا على مطار الشعيرات، شرق مدينة حمص، الذي كان يسيطر عليه “حزب الله” والحرس الثوري الايراني. ويتردد في اللاذقية أن القيادة الروسية تنوي إستخدام هذا المطار كمحطة مركزية لطائراتها الحربية.
مصادر المعارضة السورية تدّعي أن روسيا تسعى الى إضعاف نفوذ ايران من طريق العمل على إخراج قوات “حزب الله” من المعارك. ومثل هذا التوجه يصطدم بعقبات كثيرة بينها وجود خمسة آلاف ضابط ايراني و25 ألف مقاتل. في حين لا تملك موسكو قوات برية محاربة. لذلك تزيد من حجم القصف جواً وبحراً بهدف توسيع رقعة نفوذها.
ويرى المراقبون أن هذا القصف طغى على أهمية “حرس الثورة”، الأمر الذي قابلته طهران بكثير من الشكوك. وهي تخشى من تمادي القوة العسكرية الروسية، ومن تصميم بوتين على تحويل سوريا الى دولة تابعة لبلاده.
التطورات الدرامية التي حدثت آخر الشهر الماضي منعت الطائرات التركية من التحليق داخل الحدود السورية. كما وفرت للطائرات الروسية فرص الانقضاض من دون منازع. ويبدو أن مؤتمر الرياض قد زاد من تصميم القوى المشاركة على مضاعفة الضغط على بشار الأسد. وقد اختصر وزير خارجية السعودية عادل الجبير موقف المجموعة بتكرار لازمته السابقة: إما أن يخرج الأسد عبر التفاوض… وإما أن يخرج عبر الحل العسكري!
في ضوء هذا الموقف المتشدد، لا بد أن تتحرك ايران لمنع سقوط الأسد. وهذا التحرك يقتضي إرسال قوات برية إضافية بحيث تتحول من قوة مساندة الى قوة مواجهة. ومثل هذا الخيار قد يزيد من تورطها في الرمال السورية المتحركة، ويقلل عدد جنودها في العراق. ومن المؤكد أن تنظيم “داعش” سيستفيد من هذا الوضع المقلق ليركز على محاربة ايران في سوريا والعراق معاً.
وبين أبرز المستجدات التي حسمها مؤتمر الرياض هو التوافق على إنشاء دولة مدنية في سوريا، علماً أن الأسد يفاخر بأن والده أسس دولة علمانية غير دينية. وقد تزامن هذا الموقف مع إصدارات نشرتها الصحف الاميركية والاوروبية حول عدد القتلى الذين حصدهم منجل النظام خلال أربع سنوات. وربما نشرت الأرقام في هذا الوقت المحرج بغرض انتزاع حجّة “محاربة الارهاب” من الأسد، وإلصاق هذه التهمة به كأن نظامه أصبح نسخة أخرى عن تنظيم “داعش” الذي يدّعي محاربته!
بقي أن نذكر أن مؤتمر الرياض سجل خطوة جديدة في الحرب السورية بحيث توحدت الرؤية حيال الأزمة القائمة، وشكلت اندفاعة قوية باتجاه إيجاد حل سياسي أو حل عسكري. وفي الحالين، فان الخاسر الأكبر هو الشعب السوري!
المصدر: النهار