‘ماجد كيالي يكتب: عن اجتماع المعارضات السورية وإجماعاتها’

14 ديسمبر، 2015

ماجد كيالي

ثمة إيجابيات كثيرة لاجتماع الرياض (9 و10 ديسمبر)، فهذه أول مرة يلتئم فيها شمل معظم المعارضات السورية، بل وأول مرة تجتمع فيها المعارضات السياسية مع الفصائل العسكرية، كما أنها أول مرة يتم فيها هذا الإجماع على عناوين تخصّ مستقبل سوريا.

يكتسب هذا الاجتماع أهميته، أيضا، من كونه يمهد الأرضية اللازمة لتطوير المداخلات الدولية والإقليمية، الهادفة إلى وضع حد للمأساة السورية، لا سيما بعد اجتماعات “فيينا”، ووفقا لخارطة الطريق التي تم اعتمادها فيه.

أما من حيث معناه السياسي، فإن هذا الاجتماع الذي احتضنته المملكة العربية السعودية، وعقد بدعم من الأطراف العربية والإقليمية والدولية الفاعلة، جاء بمثابة رد على محاولات النظام السوري وحليفيْه الروسي والإيراني، الاستثمار في الحرب على الإرهاب، وبالتالي تعويم ذاته، من مدخل الشراكة في هذه الحرب.

والحاصل فإن هذا الاجتماع أعاد التأكيد على حقيقة أن وجود هذا النظام هو جذر المشكلة، وأن لا مكان لنظام بشار الأسد في مستقبل سوريا، وفقا لمرجعية بيان جنيف 1، مع التأكيد على الحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة أراضيها.

من جانب آخر أثبتت التوافقات الحاصلة قدرة الجماعات السورية على إيجاد إجماعات في ما بينها، علما أن ذلك كان مثار تخوف لكثيرين بعد كل ما جرى، وبالنظر لانفجار الأوضاع في سوريا. وتبعا لذلك فليس تفصيلا عاديا أن مختلف الأطراف توافقت على وحدة سوريا الجغرافية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وأنها دولة مدنية، ولا مركزية (من ناحية إدارية)، وأنها تشتغل وفقا لآليات الديمقراطية والنظام التعددي الذي يساوي بين المواطنين على قاعدة حقوق الإنسان والمواطنة وسيادة القانون.

طبعا ثمة أشياء كثيرة ما زالت على الطريق لتحقيق النقلة اللازمة نحو الحل السياسي، ضمنها وقف كامل لإطلاق النار، وإخراج مختلف القوات الأجنبية من سوريا، ومكانة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وتشكيل هيئة الحكم الانتقالية وصلاحياتها.

كما يبقى أن كل ذلك مرهون، بداهة، بالجهود الدولية والإقليمية والعربية الرامية لحسم هذا الصراع الذي باتت مفاعيله تهدد استقرار أكثر من دولة.

بيد أن كل ما تحقق، في الرياض، لا يلغي حقيقة مفادها أن المعارضات السورية لم تستطع، طوال السنوات الخمس الماضية، أن تتوافق على إجماعات سياسية معينة، لذا فقد بدا مدهشا، بمعنى ما، أنها استطاعت أن تحقق ذلك وبسرعة قياسية في غضون يومين.

المدهش أكثر، في المشهد السوري كما بدا في الرياض، أن هذا التوافق شمل أيضا معظم الفصائل العسكرية الفاعلة، رغم أنها كانت تشتغل وكأنها في قطيعة كاملة مع المكونات السياسية التي لم تستطع أن تفتح مكتبا للمعارضة في “المناطق المحررة”، ورغم أن بعض الجماعات العسكرية كانت تتبنى أطروحات تقف على النقيض من الدولة المدنية ومن الديمقراطية، هذا فضلا عن أن تجربة “المناطق المحررة” في ظل هذه الجماعات لا تبشر بالخير وإنما تثير القلق والمخاوف.

ما يمكن تسجيله من ملاحظات، أيضا، ومع كل التقدير للتوافقات الحاصلة، أولا، أن المعارضات السياسية والعسكرية لم تصل إلى ما وصلت إليه لولا الضغوطات التي تعرضت لها من الأطراف الخارجية، أي من الداعمين، وهذه نقطة ضعف تفيد بأن ما تم التوصل إليه لم يتم بضغط المعاناة والعذابات والتضحيات التي قدمها السوريون طوال السنوات الماضية، ولا بسبب نضج المعارضة وتطور إدراكاتها السياسية.

ثانيا، أن الأطراف المعارضة تشتغل وكأنها باتت بمثابة وكيل عن الشعب السوري، وهذه رؤية قاصرة وتنم عن محاولة احتكار المشهد، والأحرى بهذه الأطراف السياسية أو العسكرية أن تشتغل من دون الادعاء بأي مكانة تمثيلية، لأن الحسم في تلك المكانة يحتاج إلى فترة زمنية وإلى انتخابات.

ثالثا، وتبعا للفكرة السابقة، فإن البعض في المعارضة ولا سيما العسكرية، يتصرف وكأنه وحده من قدّم التضحيات، وهذا غير صحيح البتة، ذلك أن الثورة السورية اندلعت بفضل جهود عشرات الآلاف من المناضلين السلميين، الذين كانت المظاهرة بالنسبة إليهم بمثابة عملية فدائية. كما أن الشعب السوري في مجمله دفع الثمن الأكبر لهذه الثورة. أي أن الملايين من السوريين الذين حرموا من بيوتهم ومصادر رزقهم والذين تعرضوا للتشريد أو الاعتقال أو القتل، وبغض النظر عن مشاركتهم المباشرة في الثورة أو عدم مشاركتهم فيها، من حقهم أن يقرروا مصيرهم، وأن يحسموا شكل سوريا المستقبل، وليس فقط، المئات أو الألوف في هذه الجماعة العسكرية أو تلك.

على أي حال، ما جرى في الرياض هو خطوة متقدمة، لكن يبقى تطويرها أو الاستثمار فيها، مرهونا بقدرة المعارضة السورية على البناء على ما تحقق، بإعادة بناء البيت السوري على أسس جديدة.

المصدر: العرب

أخبار سوريا ميكرو سيريا