الحرب على الإرهاب: تجربة الإمارات نموذجاً


محمد مشموشي

لا حديث في العالم الآن إلا ويغطي عليه الكلام على الإرهاب، وعبره على التطرف الذي يتم إلصاقه تلقائياً ومباشرة (وفي حالات كثيرة عمداً) بالإسلام.

لكن هذا أياً كان لا يعفي العرب والمسلمين من المسؤولية. ولذلك فالسؤال الذي يطرح ذاته بقوة هو: ماذا فعل العرب والمسلمون لمواجهة هذا الأمر؟.

كاتب هذه السطور، ليس على علم بأية دولة عربية، أو بأية جهة سياسية/دينية/ثقافية/فكرية، قامت بمقاربة علمية جادة، أو بعمل مؤسساتي منظم، في مواجهة هذه الحقيقة على الطريق إلى معالجتها فضلاً عن إيجاد حل لها.

لكن زيارة قمت بها أخيراً الى عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، وفّرت لي الالتقاء بعدد من العاملين في هذا الحقل تحديداً، على الصعيدين الرسمي والعلمي/المدني/الفكري، ولأكتشف أن هناك محاولة محترمة (محاولة بالحد الأدنى) للإجابة عن السؤال.

في الإمارات الآن، ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام، أربعة مراكز بحث وتدريب وعلاج تربوي ونفسي لهذا الداء تعمل تحت عنوان محدد عبّر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية فيها أنور قرقاش بالقول أن «لا إرهاب من دون تطرف، ولا تطرف من دون إرهاب». وفي ظله، فإن إستراتيجية مكافحة الإرهاب فيها تقوم على مبدأ أنه «وقائي» أكثر من أي شيء بل قبل كل شيء. أما هذه المراكز والمؤسسات فهي: مركز «هداية»، مؤسسة «تعزيز السلم في المجتمعات»، «مجلس حكماء المسلمين»، ومركز «صواب».

وأما عملها، بخاصة منها مركز «هداية، فلا يعتمد ما يعرفه العالم من دراسات وأبحاث وطرح أفكار، بل يتعداها الى العمل عبر أدوات التواصل الاجتماعي (الإنترنت) وإلى التدريب العملي لرجال الدين وللأسرة، وللمدرسة، ولما يطلق عليه المركز اسم «الشرطة المجتمعية»، وحتى للسعي إلى معالجة أزمة الهوية لدى الشباب، كما لخلفيات نزلاء السجون بتهم عنفية أو إرهابية، وفق ما في نظريات علم النفس والإنثروبولوجيا وتطبيقاتهما في هذا الشأن.

في لقاء مع المدير التنفيذي لمركز «هداية» مقصود كروز، قال إن ما تعانيه المنطقة من الإرهاب أولاً ومن إلصاقه بالإسلام والمسلمين ثانياً، ثم من ذيوله المجتمعية ثالثاً، باتت أكبر التحديات التي تجابه شعوبها في العصر الحديث. وأنه من هنا تم انشاء مركز «هداية» ليكون المؤسسة الدولية الأولى في المنطقة للتدريب والحوار والتعاون والبحوث في مجال مكافحة ما يسميه «التطرف العنيف»، كما في مجال مكافحة الإرهاب بكل مظاهره وأشكاله، ولدعم الجهود الدولية في هذا المجال.

وليس «التطرف العنيف» هذا، كما يقول، الا ما يتم إلصاقه بالإسلام زوراً، وبالذات ممن يعمدون إلى تشويه الدين الإسلامي إن في المنطقة العربية أو في المغتربات أو في العالم الإسلامي الواسع.

كانت البداية، يضيف، في الاجتماع الوزاري لانطلاق أعمال «المنتدى العالمي لمكافحة التطرف» في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2011، حيث عرضت الإمارات استضافة المركز وقدمت مساهمة مالية لدعمه في مراحله التأسيسية. وجاء إنشاء «هداية» استجابة لرغبة متنامية لدى أعضاء المنتدى بقيام مؤسسة مستقلة ومُكرسة للحوار والتدريب والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكل أشكاله ومظاهره، بحيث تجمع الخبراء والخبرات والتجارب من أنحاء العالم.

أما الحل «الوقائي» فهو محاولة منع الأفراد من الانحدار في طريق الراديكالية واعتناق العنف ودعم الإرهاب، ومن أجله يسعى المركز إلى التعاون مع دول العالم لإثناء بعض الأفراد الذين وطئت أقدامهم هذا الدرب المنحرف وردهم عنه قبل تورطهم فيه بالكامل. وهو يقوم على الحاجة إلى مساحة «آمنة» و»محايدة» تسمح للمنظمات غير الحكومية (NGO) والحكومات بتبادل وسائل الاتصال، كما الحاجة إلى تبادل الخبرات والتعلم من الإخفاقات المصاحبة لتطوير السرد الإخباري المضاد كي يتم التوصل إلى صياغة رسالة قوية وفعالة وباستخدام الوسيط الإعلامي المناسب.

ومن أجل ذلك، فالمبادئ الناظمة لعمله تقوم على: أولاً، أن يساهم في الحد من أعداد الذين يدعمون المجموعات الإرهابية، ولكن بالإقناع وعبر اتباع سبل غير قسرية. وثانياً، أن يشكل دعماً للحكومات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على مكافحة الإرهاب، وقبله على مكافحة التطرف العنيف. وثالثاً، أن يؤسس شبكة عالمية من الخبراء والعاملين في المجالين معاً.

كيف جرت التجربة حتى الآن؟.

عقد مركز «هداية» و»المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي» اجتماع خبراء حول دور علم النفس في إعادة تأهيل ودمج المجرمين المتطرفين المستخدمين للعنف، حضره أكثر من 20 خبيراً وممارساً دولياً تبادلوا خلاله الدروس المستفادة من دور الأخصائيين النفسيين في بيئات مثل السجون، وسعوا إلى الوقوف على نهج إبداعي في حالة عدم توافر الأخصائيين النفسيين، يقول أحد منشورات المركز.

كما عقد دورات تدريبية لـ21 ناشطاً من 7 دول بينها الأردن والمغرب ونيجيريا وإرلندا وباكستان والصومال وتونس، تخللتها تمرينات جماعية لتطوير مهارات التفكير الناقد لـ «الشرطة المجتمعية» كما للإصلاح المؤسسي من أجل ضمان نجاح استراتيجيات مكافحة التطرف والعنف.

لكن ما هي «الشرطة المجتمعية»؟ يقول ان هذه الشرطة «التي بات ينظر إليها خبراء محاربة الإرهاب على أنها آلية فعالة لمجابهة التحديات التي تحول دون مكافحة التطرف العنيف، يجب أن تقوم على نظرية محو مفهوم «نحن» و»هم» الذي يحكم تقليدياً العلاقة بين مؤسسة الشرطة والمجتمع، حيث على السلطات المحلية وأفراد المجتمع التعاون في ما بينها لاكتشاف حالات التطرف العنيف في مراحلها الأولى».

الى أي حد نجحت هذه التجربة، أو ستنجح مستقبلاً، في مكافحة التطرف الفكري من ناحية، والعنف من ناحية ثانية، ثم الإرهاب بأشكاله الأخرى من ناحية ثالثة؟.

من المبكر الإجابة عن السؤال، لكن التجربة كما تبدو من شموليتها واتساع نظرتها وتعدد أساليبها تستأهل حداً كبيراً من الاهتمام.