‘عيسى الشعيبي يكتب: السعودية ما بعد “مؤتمر الرياض”’

15 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015

5 minutes

عيسى الشعيبي

عندما وقعت الاضطرابات الأخيرة في جمهورية مالي، وكان ذلك عقب العمليات الإرهابية في باريس مباشرة، بدت دول غرب أفريقيا والصحراء، بلا حول ولا قوة، عاجزة عن التدخل العسكري في ذلك البلد المزعزع منذ أعوام، الأمر الذي دفع فرنسا إلى نقل قواتها جواً من دولة مجاورة، لحسم الموقف قبل أن يتفاقم. إذ اعترف قادة أفارقة في حينه بقلة حيلتهم، قائلين (والسابقة اليمنية في أذهانهم) إنه ليس لديهم “دولة سعودية” في غرب القارة الفقيرة مع الأسف.
جاء انعقاد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، نهاية الأسبوع الماضي، ليعزز مثل هذه الانطباعات الإيجابية المتكونة تباعاً عن فاعلية السياسة المبادرة للمملكة الكبيرة، التي تمثل دولة تقود النظام العربي بروح قتالية، على نحو ما تجلى عليه الأمر في البحرين ومن ثم في اليمن، وغيرهما، على غير رغبة من حليفها الأميركي.
على هذه الخلفية، كان انعقاد أول مؤتمر جامع لقوى المعارضة السورية في الرياض، بجناحيها السياسي والعسكري، دليلاً آخر على حيوية الدور السعودي ومركزيته الإقليمية، وعلى اكتسابه مزيدا من الخاصيات القيادية المبادرة، ناهيك عن الروح القتالية، لاسيما بعد أن أخذت السعودية على عاتقها عبء استضافة المقر السياسي للمعارضة السورية، بكل ما ينطوي عليه الأمر من مترتبات، كما تعهدت مرة أخرى بترحيل بشار الأسد بالقوة إذا أخفقت الدبلوماسية.
ولا أحسب أن أياً من المؤتمرين، أو من مضيفيهم، كانت تساوره الأوهام، قبل انعقاد المؤتمر وبعده، أن الكارثة السورية قد نضجت للحل في هذه الآونة المحتدمة بالتطورات الساخنة. إلا أن مقتضيات اللعبة السياسية الصارمة تملي على سائر الأطراف تحسين المواقف الدبلوماسية، وامتلاك الخطاب الملائم لإدارة الأزمة، فيما الخيار العسكري يتواصل بلا هوادة، والرهان على استنفاد صبر هذا الطرف أو ذاك قائم بشدة، إلى أن تحدث نقطة تحول مفصلية فارقة.
هكذا، وبقدر ما كان مؤتمر الرياض إنجازاً دبلوماسياً سعودياً في حد ذاته، فقد كان بمثابة ريح إسناد مشتهاة لقوى المعارضة السورية، التي امتلكت، بعد طول خذلان، رديفاً إقليمياً وازناً، إن لم نقل عماً كبيرا له ظهر قوي وكتفان عريضان، أخذ بيد القوى المسلحة، وصعد وإياها درجة أخرى على سلم المواجهة المفتوحة مع إيران، وهي أكبر داعمي نظام الأسد، لكبح جماح نزعتها التوسعية، وربما كسر أذرعها المتغلغلة في أكثر من رقعة عربية واحدة، خصوصا رقعة البلاد الشامية.
وإذا كانت تركيا قد شكّلت على مدى السنوات القليلة الماضية الساحة الخلفية للثورة السورية، وكانت حاضنتها اللوجستية المواتية، فإن السعودية بعد مؤتمر الرياض باتت تشكل رأس حربة هذه الثورة، بل ورافعتها الحديدية، ليس فقط في بحر المواجهات الدبلوماسية المتزاحمة، وحوامات المؤتمرات الدولية العميقة، وإنما أيضاً في ميدان القتال المرجح له أن يشتد أكثر، لاسيما إذا أمعنت روسيا في مناوراتها السياسية، وأقفلت دروب التسويات، لا درب التسوية الحربية.
وعليه، فإن من غير المستبعد، وفق السياقات الراهنة وآفاقها المحتملة، أن تمتلك قوى المعارضة السورية، في مستقبل غير بعيد، سلاح المضادات الجوية، القادر وحده على كسر حالة التوازن، إن لم نقل ترجيحها، خصوصاً مع انكشاف عجز قوات الأسد عن استثمار التغطية الجوية الروسية، وتحول القتال إلى مجرد حرب جوية مدمرة، وغير مجدية على الأرض، تماماً على نحو ما هي عليه حال حرب قوات التحالف الأميركي ضد “داعش” في كل من العراق وسورية.
على أي حال، ورغم كل المكاسب السياسية المتحققة من وراء انعقاد مؤتمر الرياض، بكل هذا الطيف الواسع لقوى المعارضة السورية، فإن الطريق ما تزال طويلة أمام الدبلوماسية، والمناورات السياسية الجارية على هامش ساحة الحرب ستتواصل إلى أجل طويل، فيما سيحتدم الصراع المرير مع مرور الوقت، وتتعاظم الكارثة مع الأسف، إلى أن ترمي “السعودية” بكامل ثقلها، وتضع بين أيدي قوى المعارضة، ليس فقط صواريخ “تاو” التي لا تخطئ أهدافها البرية، وإنما أيضاً صواريخ “ميلان” أو ما يماثلها من مضادات جوية.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا