مجزرة دوما والحاجة لخطاب إعلامي جديد


9998612491المصدر – آدم ملحم

لم تكد طائرات النظام السوري تنهي غاراتها العنيفة على أحياء ومدارس مدينة دوما يوم أمس الأول، حتى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الفيديوهات التي ترصد ماخلفه إجرام النظام بحق المدنيين من النساء والأطفال والرجال، موثقة بالصوت والصورة بكاء الأطفال وصراخهم، الأشلاء المتناثرة، حجم الدمار في المباني، صيحات الرجال ودموعهم أيضاً، في رسم دقيق لما حدث، يمكن الناظر من اختبار أهوال الحرب وفجائعها، وسط صمت دولي تام وانشغال بآفاق الحل السياسي الذي يعلن عنه بين الفينة والأخرى.

فهل وصلت تلك الفيديوهات المبعثرة إلى العالم وشاهد مافيها فصمت، أم أنها بقيت فيديوهات مؤجلة بانتظار موتها كما مات أصحابها دفاعاً عن قضيتهم؟، سؤال نطقت به ألسنة الكثير من السوريين، معاتبين أو مستهزئين بكيانات معارضتهم الكثيرة ودورها في نقل ألامهم بعد ما عجزت عن إيقافها.
يصرخ رجل مسن في أحد الفيديوهات، هذا بسبب “الجولاني”، “أخرجوا النصرة من الغوطة”، فهل وصلت كلامته إلى آذان قادة العالم، أولئك الذين اختصروا السوريين ومأساتهم بداعش والتطرف ونظام الأسد، تجيب فتاة تجر وراءها خيطاً من دمها، “أريد أمي”، يرد آخر “أنا ممتن أصبحت أباً لطفلة شهيدة”، هل وصلت هذه الكلمات إلى حيث يجب أن تصل، من المسؤول عن إيصالها؟

إن المتابع لوسائل الإعلام العالمية وتعاطيها مع الحرب السورية في تفاصيلها، لايجد أكثر من مصادر معدودة على أصابع اليد الواحدة تعتمدها تلك الوسائل في نقل الحدث السوري، بعد ما فشل إعلام المعارضة منذ انطلاق الثورة، بشقيها الداخلي والخارجي، المدعومة سواء من دول الإقليم المحلي أو دول العالم، أو تلك التي تقف على الحياد منتظرة لحظة مشاركة من ينتصر بمجمله، في خلق حالة وعي متكاملة حيال قضايا السوريين، وكذلك فشل في تحقيق أي تأثير حقيقي في الرأي العام العالمي أو حتى العربي، وبرغم التكنولوجيا الحديثة ومعدات وسائل الاتصال والأموال الضخمة التي تنفقها المعارضة السورية إلا أن كل ذلك لم يؤت ثماره في خلق حالة إعلامية متكاملة تكون لسان حال السوريون على اختلاف آلامهم، أحلامهم وأمالهم، فظل الخطاب الإعلامي المعارض خطاباً فردياً مغرقاً في الذاتية، وبعيداً كل البعد عن الواقع الحقيقي للسوريين.

وإذا كان إعلام النظام قد اشتهر بالفبركات الإعلامية والتضليل والتشويه، مخفياً بين تفاصيله قدراً كبيراً من السخرية والتهكم والاستهزاء بعقول السوريين، فإن الإعلام الرسمي للمعارضة لم يكن بأحسن حالأً، إذ غابت المهنية والمصداقية في كثير من الأحيان عن شاشات الإعلام المعارض، وأدى غياب المهنية الإعلامية إلى تراجع مصداقية هذه الوسائل لدى الكثير من السوريين في الداخل والخارج، كما طغت أمراض إعلام البعث على إعلام المعارضة في أحيان كثيرة، وأفسحت ظاهرة “كل مواطن هو إعلامي” المجال واسعاً أمام الكثير من الأخطاء طالت حتى الخطاب السياسي للمعارضة.

بموازة ذلك تحول الإعلام من حالة مؤسساتية إلى حالة فردية في المجمل حملها على عاتقهم الناشطون والمعنون بالرأي العام، إضافة إلى ماتبقى من التنسيقيات على الأرض، التي توفر المادة الإعلامية الأولى الأكثر حقيقية ومصداقية، إضافة إلى بعض التجارب الإعلامية الشابة التي تطورت مع تقدم الثورة وماتزال ترتقي بأداءها مقارنة بالإمكانيات المتاحة لها وصعوبات عملها.

إن تعقد الصراع السوري، والمآلات التي يسير إليها يحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة صياغة خطاب إعلامي جديد للمعارضة السورية، يكون منبراً حقيقياً لكل السوريين بصرف النظر عن توجهات المعارضة المختلفة، يستقون منه النقاشات التي تدور عنهم، خاصة عند دخول العملية التفاوضية، وإن غياب هذا الخطاب المتكامل من شأنه أن يعمق الفجوة بين المعارضة والشارع أكثر مماهي عميقة أصلاً، فهل تستدرك الهيئة المعارضة الجديدة أخطاء من سبقها وتفلح في ماعجز عنه من سبقها؟.


المصدر : الإتحاد برس