24 ساعة في لبنان الأسد


صورة جوية لبيروت - يوتيوب
صورة جوية لبيروت – يوتيوب

((هذه الأحداث جرت بالفعل))

عند الصعود إلى الطائرة التي تعود لخطوط “أجنحة لبنان” كان داخلها شرطيان لبنانيان، ربما كان ذلك مسموحاً كوني ختمت جواز سفري خروجاً من مطار أضنة.

يفتش أحدهما الجواز ويقول: الأردن والسعودية وتركيا، باقي عليك قطر، وذاهب إلى لبنان؟

من هنا عرفت انه من لبنان الأسد، فأجبته: لا والله، راجع لحضن الوطن، لدي امتحانات بالجامعة؛ حتى عافني في حال سبيلي.

لم تكن كل التحذيرات السابقة تدفعني لتخيل هذه البداية الصاخبة.

هبطت الطائرة وفور نزول شابين أمامي تعرضا لبعض الضرب على الرقبة (طيارات) واقتيدا إلى جهة مجهولة؛ عائلة أخرى أحيلت إلى التحقيق قبل ختم جوازاتها، وكل ذلك قدوماً من تركيا.

عند تسجيل ختم الدخول جرى معي تحقيق سريع: إلى أين ذاهب؟ كم ستبقى داخل الأراضي اللبنانية؟

كانت أجوبتي مقتضبة للغاية: عبور إلى حمص، وأقصى مدة 24 ساعة.

تم توقيعي على تعهد بذلك، وعليه تم تسجيل ختم دخول مطار بيروت، وأصروا على توصيلي إلى كراج دمشق فذكرتهم أن وجهتي حمص، فاعتذروا عن عدم وجود كراج باصات أو سيارات اجرة إلى حمص، فقلت: سأتدبر نفسي، شكراً.

كانت الصالة تنقصها صورة كبيرة لبشار الأسد.

أقاربي ينتظرونني خارجاً، ولم ألتق بهم منذ ثلاث سنوات، لقد تقدموا بالعمر وأشكالهم تبدوا كأنهم لبثوا بضع سنين.

“في أي وسيلة نقل أو أي مكان عام عليك الحذر وإبداء التأييد لحزب الله والنظام”، هذه كانت التوجيهات الأشد والأكثر تكراراً، “حتى السوريون هنا أغلبهم مؤيد للنظام”، كانت هذه إحدى أكبر المفاجئات.

أحد أقاربي الذين استقبلوني يعيش في مدينة زحلة، قال: ابني البكر بالابتدائية، وعاد إلى المدرسة مؤخراً، واليوم السبت لديه دوام!

استغربت وقلت كيف؟ قال: الجماعة راضوا الأطفال وأعطوهم يوم الجمعة عطلة مع الأحد، ويوم السبت دوام.

حقيقةً كانت هذا ما لم أتوقعه، ودفعني للضحك طويلاً حتى وأنا أعيد كتابة الحادثة أضحك، ففي مدينتي حمص لم يحصل أمر كهذا من قبل.

وصلنا إلى المنزل وجاء بعد حين أحد الأقارب، ورغم حالة السرور للقاء بعد فراق لسنوات، إلا أنه وجد الوقت سانحاً لسرد آخر ما حصل معه.

يقول أبو محمد: ذهبت إلى الأمم لمراجعتهم بشأن السفرة، لإتمام علاج ابنتي المصابة، إلا أنهم أعادوا جلسة التحقيق السابقة، فقلت لهم “أنتم أمم جوية، مثلكم مثل بشار”، فطردوني وسحبوا السفرة.

بكى بكاءً شديداً، وبكينا معه، واستدرك دموعه طالباً من مستضيفي أنبوباً للمدفئة، فقد تم تسليمه إياها ناقصةً، وعلق بالقول إن الأمم تبيعها للتاجر الفلاني.

بالطبع هو يقصد أن موظفي الأمم يقومون بنشل بعض الأشياء من كل حصة مساعدة مهما كانت، ويبيعونها للتجار اللبنانيين الذين يبيعونها في السوق.

يعلق مستضيفي أن ابنه استلم قرطاسية من المدرسة ناقصة، فسألته كيف عرفت أنها ناقصة؟

فأجاب: بالمقارنة مع باقي أقرانه. بعضهم حصته نقصت دفتر وبعضم مبراة وبعضهم ممحاة وهكذا.

أما عن السير بالطريق والحواجز فلا تختلف عن مناطق النظام كثيراً، وكثير من الشعب اللبناني لا يقبل من السوريين كلمة “مرحبا”.

 

وكوني عابر سبيل وذاهب بعد ساعات، لست بحاجة لمراجعة الأمن العام من أجل الإقامة، ولست بحاجة لفتح باب رسمه مجند في الأمن العام على الجدار، أو حلاقة شعري كما يريد الضابط اللبناني المناوب في شعبة الإقامات.

سأغادر إلى أحضان الوطن.


المصدر : الإتحاد برس