ياسر عبد العزيز يكتب: ماذا سنفعل مع «الدواعش» العرب؟



ياسر عبد العزيز

في 27 أكتوبر الماضي، نشر عدد كبير من وسائل الإعلام معلومات تشير إلى اختراق خطير للواقع الأمني العربي، على خلفية استهداف مسجد للإخوة الشيعة في نجران، جنوب المملكة العربية السعودية، وهو الاختراق الذي لم يتم تطوير استراتيجية مناسبة للتعاطي معه حتى الآن.
تقول المعلومات المشار إليها: “كشف المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية أن منفذ الهجوم الانتحاري على مسجد المشهد بنجران هو المواطن سعد سعيد سعد الحارثي، البالغ من العمر 35 عاماً، وكان قد دخل الأراضي السعودية بطريقة غير نظامية عائداً من سورية، عقب تغيبه عن أسرته ما يقارب 4 أعوام، قضاها مع تنظيم (داعش). وأفادت مصادر سعودية بأن سعد الحارثي، الذي فجر نفسه يوم 26/ 10/ 2015، أثناء شروع المصلين في الخروج بعد أداء صلاة المغرب، بأحد مساجد نجران، سبق أن تم إيقافه للاشتباه فيه، قبل أن يطلق سراحه”.
سيمكننا أن نفهم من تلك المعلومات أن ثمة مَن قاتل في الأراضي التي يسيطر عليها “داعش” في سورية والعراق، وعاد إلى موطنه الأصلي، وقام بتنفيذ عملية إرهابية، استناداً إلى الفكر الذي تزود به خلال انتمائه للتنظيم الأكثر إرهاباً في العالم من جانب، واعتماداً على المعارف والمهارات التي اكتسبها خلال مشاركته في القتال من جانب آخر.
سيتضح أيضاً أن هؤلاء “العائدين من الأراضي التي يسيطر عليها داعش” يمكن أن يكونوا معروفين للسلطات الوطنية في بلادهم، ويمكن أيضاً أن يكونوا قد خضعوا للتوقيف أو المساءلة، قبل أن يتم إطلاقهم لعدم ثبوت أدلة ضدهم.
أما الأهم من ذلك كله، فيتعلق باستمرار الارتباط التنظيمي واللوجستي بين التنظيم وهؤلاء العائدين، وهو الأمر الذي ظهر بشكل أكثر وضوحاً لدى فرع تنظيم “داعش” الذي ينشط في سيناء؛ فقد أمكن للسلطات الأمنية المصرية ضبط عناصر من تنظيم “داعش” تعمل داخل سيناء، كما أمكن الكشف عن روابط لوجستية وتنظيمية بين تلك العناصر وقيادات التنظيم.
تذكرنا تلك الوقائع بما جرى في الجزائر خلال فترة “العشرية السوداء”؛ عندما سافر الشبان الجزائريون، الذين أظهروا قدراً كبيراً من الالتزام بالنهج “السلفي”، إلى أفغانستان لـ “الجهاد” ضد “العدو السوفياتي”.
وعاد بعض هؤلاء الشبان، أو معظمهم، إلى بلادهم، بعدما تلقوا تدريبات عسكرية رفيعة، وانخرطوا في معارك طاحنة، واحتل بعضهم مناصب قيادية، وزادت قدرات الحشد والتعبئة والتجنيد لديهم، ليشنوا هجمات إرهابية موجعة فيها.
من بين المعلومات المتوافرة من مصادر عديدة متطابقة أن عدد الغربيين (أو حاملي جوازات السفر الغربية) المنضمين إلى “داعش” والمقاتلين في صفوفه في سورية والعراق، يتراوح ما بين 2000 و3000 مقاتل.
وقدّر تقييم مقدم للجنة الأمن الوطني في “الكونغرس” الأميركي، في فبراير 2015، عدد المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش” في سورية والعراق، بنحو 20 ألف مقاتل، ثلاثة آلاف منهم من الغربيين، بينهم نحو 200 أميركي.
ونقلت صحيفة “الإندبندنت” عن أندرو باركر رئيس الاستخبارات البريطانية أن أكثر من 300 بريطاني انضموا إلى “الجبهات الإسلامية المختلفة” المحاربة في سورية والعراق.
ويثور جدل في بريطانيا راهناً حول ما إذا كان ينبغي على الدولة إبعاد “الجهاديين” المرتبطين بـ”داعش”، أم منعهم من السفر وإبقائهم خارج البلاد. ويبدو أن هذا الجدل في طريقه إلى الحسم لمصلحة خيار إبعادهم، بذريعة أن “منعهم من السفر يمكن أن يؤدي إلى قيامهم بعمليات إرهابية في الداخل”.
وتقدّر صحيفة “نيويورك تايمز” عدد “الجهاديين الغربيين” الذي يقاتلون في سورية والعراق بنحو 1200 جهادي، من بينهم عشرات الأميركيين.
وفي 19 نوفمبر 2015، غداة اعتداءات باريس، قررت الحكومة البلجيكية اعتقال “كل عائد” من القتال في سورية بشكل فوري.
يبدو أن الدول الغربية التي تورط بعض مواطنيها في الانضمام إلى “داعش” تطور الاستراتيجيات المناسبة للتعاطي معهم عند عودتهم، بشكل يحفظ أمنها القومي، ويحد من مخاطرهذه الأفراد والجماعات إلى أقصى درجة ممكنة.
ففي الوقت الذي تتجه السلطات البلجيكية فيه مثلاً إلى فرض قيود كبيرة تصل إلى اعتقال كل من يعود ويثبت أنه قاتل في صفوف “داعش”، ووضع أساور إلكترونية لفرض رقابة على هؤلاء الذين تثور الشكوك في ميولهم وارتباطاتهم بالحركات المقاتلة في سورية والعراق، تتخذ الدنمارك اتجاهاً مغايراً تماماً، إذ تمارس ما يمكن وصفه بـ”سياسات استعادة واستيعاب” للعائدين من سورية، عوضاً عن سياسات الاعتقال والإخضاع للمراقبة أو الإقامة الجبرية.
ومن ضمن تلك السياسات التي تمارسها كوبنهاغن حيال هؤلاء العائدين من أراضي القتال في الشرق الأوسط إخضاعهم لجلسات علاج نفسي مكثفة، وتوفير منح دراسية لبعضهم، ومنح بعضهم الآخر وظائف.
لكن تلك السياسة تلقى انتقادات من جانب بعض الدول الغربية الأخرى، كما أنها تثير الشكوك لدى بعض دول أوروبا، وهو الأمر الذي يبدو أنه سيكون دافعاً لمراجعة بعض الإجراءات الأمنية المشتركة بين دول القارة، ومنها بالطبع نطاق تأشيرات الدخول الموحد (فيزا شنغن).
“العائدون من الأراضي التي يسيطر عليها (داعش)” يشكلون صداعاً في رأس دول غربية عديدة، خصوصاً بعدما برهنوا على قدرة كبيرة على توجيه ضربات إرهابية مؤلمة، لكن مثل هؤلاء يفرضون تحديات أكبر على الدول العربية، خصوصاً أن أعداد المنخرطين منها في القتال في سورية يمكن أن تكون عشرة أضعاف المقاتلين الغربيين.
وقد تورط بعض هؤلاء العائدين في هجمات إرهابية في أكثر من بلد بالفعل، كما اعترف بعض “العائدين التائبين” على شبكات التلفزة في مصر وتونس والسعودية بأنهم تلقوا تعليمات بشن هجمات في بلادهم.
يجب أن يتم تطوير سياسات عربية ناجعة لمواجهة مخاطر “العائدين من الأراضي التي يسيطر عليها داعش”، على أن تنطوي تلك السياسات على أقصى قدر من التنسيق بين الدول العربية، وقد يكون ثمن التقاعس عن تطوير مثل تلك السياسات فادحاً.
إن تبادل المعلومات الموثوقة، وزرع العملاء في الأراضي التي يسيطر عليها “داعش”، وتوقيف العائدين فوراً، وإخضاعهم لبرامج مكثفة وصارمة يمكن أن تكون حلاً ناجعاً في هذا الصدد.

المصدر: الجريدة

أخبار سوريا ميكرو سيريا