منار رشواني يكتب: المؤامرة: خطاب الكراهية الخفي



منار رشواني

في كل البلدان العربية التي تعاني من أي درجة من الاضطرابات، أو حتى ملامح اضطرابات، يُستحضر مباشرة حديث المؤامرة الدولية التي يُقال إنها تستهدف هذه البلدان، فتفسر واقعها، بعيداً عن أي مسؤولية داخلية نتيجة الفساد وقمع الحريات وتبعاتهما المدمرة بداهة.
لكن المفارقة تتمثل في أن هكذا مؤامرة/ مؤمرات دولية يشارك فيها أحياناً، هذا إن لم يكن يقودها، بعض أقرب الحلفاء! فمثلاً، غداة التأكد من أن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء كان نتيجة عمل إرهابي، وبالتالي إيقاف الرحلات الدولية إلى المنتجعات المصرية وإجلاء المواطنين الأجانب من مصر، راج في الإعلام المصري حديث عن مؤامرة تشارك فيها حتى روسيا، إضافة طبعاً إلى المتآمرين التقليديين الغربيين، لاسيما الولايات المتحدة التي كانت وما تزال أكبر مقدم للمساعدات العسكرية خصوصاً لمصر.
لكن يظل أكبر نموذج على حديث المؤامرة الدولية، سذاجةً أو محاولةً لاستغفال الشعوب، هو عن تلك التي تستهدف نظام بشار الأسد في سورية؛ فيما يستميت -بالمعنى الحرفي للكلمة- هذا النظام بالتزامن مع ترديده عبارة “المؤامرة الكونية” على التعامل مع “المتآمرين” ذاتهم. كما يغتبط أنصاره بأي بارقة أمل بإعادة اعتماد أوراقه ولو بشكل سري، يضمن بقاء الأسد بمسمى رئيس، مقابل خدمات استخبارية وعسكرية لا تدعم بالتأكيد إلا خطط هؤلاء “المتآمرين”!
طبعاً، عمر الحديث عن “المؤامرة الدولية” هو من عمر دولة الاستبداد العربية. وإضافة إلى العلاقات المزدهرة مع “المتآمرين” حتى اللحظة، فليس من ضير في إعادة التأكيد على حقيقة أنه لو صدق وجود هذه “المؤامرة” فعلاً، فإن ما يوازي ذلك صدقاً أن نجاحها وضمان استمرارها كانا فقط بفضل الأنظمة ذاتها التي تتذرع اليوم بالتصدي للمؤامرات الكونية، لتبرير تدمير الأوطان وقتل الشعوب.
هكذا يبدو منطقياً فقدان نظرية المؤامرة المزعومة أي تأثير على أغلبية الشعوب العربية لحشدها دفاعاً عن أنظمة الاستبداد والفساد. لكنها تبدو، في المقابل، نظرية محتفظة بالمفعول نفسه على صعيد تأجيج خطاب الكراهية تجاه الآخرين (الغربيين خصوصاً)، الذين يتباكى على ضحاياهم اليوم من يحتفون بقتل أبناء جلدتهم بذرائع الممانعة والمقاومة، وخرافات أخرى.
فالحديث عن مؤامرة غربية (وشرقية أيضاً) يعني بالتأكيد تبرير استباحة شعوب الدول المتآمرة علينا، لاسيما إن كانت دولاً ديمقراطية، حيث يعبر المسؤول المنتخب عن إرادة ناخبيه بالضرورة. وإذا كان من يرتكبون العمليات الإرهابية اليوم هم من رافعي الشعارات الإسلامية، فالحقيقة التي لا جدال بشأنها هي أنها عمليات مشابهة تماماً لتلك التي ارتكبت قبل عقود على يد تنظيمات عربية علمانية، بالذرائع ذاتها؛ أي الانتقام من الغربيين وإجبارهم على تغيير سياساتهم تجاهنا. ولتكون النتيجة الواضحة، أن عداء الغرب، بشكل عدمي دموي، سيظل ذريعة جاهزة للالتقاط من كل تنظيم يريد تبرير فظائعه وإرهابه؛ علمانياً كان أم دينياً.
طبعاً، يتحمل الغرب مسؤولية عن هذا الواقع عندما ظن أن خطاب الكراهية تجاهه من أنظمة الاستبداد مجرد كلام في الهواء لا يضير، ويحافظ في الوقت ذاته على هذه الأنظمة الحليفة أو المنضبطة في أسوأ الأحوال. وذلك قبل أن يتحول هذا الخطاب إلى وقود التنظيمات الإرهابية العابرة لكل الحدود. لكن تظل المسؤولية الكبرى على عاتقنا، لاسيما ونحن ندفع الثمن الأكبر من حاضرنا ومستقبلنا، والمسألة/ المعضلة، ببساطة، هي أنه لا يمكن خلق مجتمع متسامح، داخلياً وخارجيا، بالدفاع عن الطغيان؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، أنظمة مستبدة وشعوباً مقموعة.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا