دوافع روسيا وإيران في الشرق الأوسط.. انتقام ومصالح


h

رغم أن إيران وروسيا كانتا لاعبتين رئيسيتين في سوريا، منذ اندلاع الصراع قبل حوالي خمس سنوات، إلا أن الخبراء يعتبرون أن سنة 2015، كانت الأكثر زخما لهما، وسجّلت عودة قوية لروسيا وتمدّدا أكثر لإيران في الشرق الأوسط. لكن، ذلك لا يعني أنهما قادرتان على الاستمرار في ترجيح كفة الميزان لصالحهما، ومحاولاتهما مزاحمة النفوذ الأميركي في المنطقة، سترتدّ عليهما، في النهاية، فلم تنته أي سياسة تدخل في المنطقة إلا بنتائج غير متوقعة وغالبا ما تكون قاسية على هؤلاء الذين يغوصون كثيرا في وحول هذه المنطقة المعقدة.

شكّلت سوريا بوابة عودة روسيا وإيران إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط العام 2015. فموسكو تريد استعادة موقع الاتحاد السوفييتي سابقا في هذه المنطقة في حين تسعى طهران إلى توسيع دائرة نفوذها التي عرقلتها العقوبات الغربية.

وأعادت روسيا وإيران خلط الأوراق في هذه المنطقة، التي لم تعرف طوال السنوات الماضية إلا النفوذ الأميركي، لكن، ومع نهاية العام، وما يجري من حراك في الملف السوري، يطرح سؤال حول ما إذا كانتا ستتمكنان في 2016 من الحفاظ على حليفهما بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، أو ستغرقان كمن سبقهما في وحول هذه المنطقة المعقدة.

جزء من الإجابة يعكسه تصريح لدبلوماسي روسي رفيع المستوى في دمشق، نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، قال فيه صراحة “غررت الدول الغربية بنا ولن نسامحها أبدا على لجوئها أحادي الجانب إلى قرار مجلس الأمن الدولي من أجل الاستيلاء على ليبيا”. ويضيف “لن نسمح لهم أبدا بالاستيلاء على سوريا”.

وتتمحور سياسة التدخل الخارجي حول سوريا حيث تنفذ موسكو منذ 30 سبتمبر حملة جوية تستهدف خصوم النظام السوري كافة، من فصائل معتدلة ومجموعات إسلامية مرورا بجهاديي جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا)، وذلك تحت راية حربه على تنظيم الدولة الإسلامية.

وفقدت موسكو نفوذها الكبير في الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991. وشهدت في العام 1994، من دون أن تتمكن من التدخل، نهاية جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية الجنوبية، حليفة الاتحاد السوفييتي سابقا في حرب قادها الشمال بدعم من السعودية.

ولم تتمكن موسكو من التصدي للغزو الأميركي للعراق وسقوط حليفها صدام حسين في العام 2003، أو منع سقوط ومقتل حليفها الليبي معمر القذافي في 2011، بعد التدخل الخارجي بناء على قرار دولي امتنعت روسيا عن التصويت عليه في مجلس الأمن.

وتعد سوريا، التي تعاني من نزاع دام منذ نحو خمس سنوات تسبب بمقتل أكثر من 250 ألف شخص على الأقل، آخر نقاط النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، ومن شأن خسارتها أن تحد كثيرا من تأثير موسكو.

ويرى كريم بيطار، مدير الأبحاث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أنه من الممكن شرح تصلب الموقف الروسي في سوريا انطلاقا من عوامل عدة:

*حماية واحدة من آخر الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط.

*سخط روسيا تجاه السياسة الغربية في ليبيا.

*محاولة فرض نفسها حامية لمسيحيي الشرق.

* الخوف من تمدد الإسلاميين إلى القوقاز.

* ذهنية الانتقام الموجودة لديها على ضوء الإذلال الذي لحق بها مرارا منذ 1989.

وبفضل التدخل في سوريا، بات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قلب الأحداث، حيث نسج علاقات مع مصر وأصبح محاورا رئيسيا للأردن ودول الخليج، ووضع نفسه في موقع لا يقل أهمية عن موقع الولايات المتحدة في التوصل إلى حل للنزاع السوري.

ويوضح إدغار كورتوف، رئيس تحرير المجلة الروسية “مشاكل الاستراتيجية الوطنية” المقربة من الكرملين، أن “المصلحة الوطنية تدفع الروس إلى التحرك في الشرق الأوسط”. ويأمل “القادة الروس في استعادة روسيا لموقعها في السياسة العالمية، على غرار ما كان عليه موقع الاتحاد السوفييتي”.

بدورها، تنشط إيران مباشرة على الأراضي السورية، حيث يشارك مقاتلون من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في جبهات القتال إلى جانب الجيش السوري.

ولإيران أهداف ومصالح أيضا، فهي تريد الحفاظ على نفوذها وتوسيعه إذا أمكن لتأكيد دورها كقوة إقليمية في مواجهة منافستها في المنطقة، المملكة العربية السعودية. وتسعى للحفاظ على دورها المؤثر في سوريا ولبنان عبر حزب الله، وإذا أمكن في اليمن أيضا عبر دعم الحوثيين.

لكن، لا يعني ذلك كله أن روسيا وإيران ستحصلان على مبتغاهما بسرعة، حيث يتوقّع بيطار أن “يرتّد الأمر عليهما، فلم تنته أي سياسة تدخل في العالم العربي إلا بنتائج غير متوقعة وغالبا ما تكون قاسية على هؤلاء الذين يغوصون كثيرا في هذا المستنقع”.