سايكولوجيا المُعارض وحلمه بالسُلطة


فاضل عباس

في البدء أرفع هذا المبدأ ( مع انهيار كل ديكتاتور ، ينهار كلّ الذي معه والذين بالضد )

في مجتمعاتنا ، تعتمد فكرة المعارضة مبدأ الكراهية للحاكم “الديكتاتوري” ، رفض أداءه ، الامتعاض من فساده ، انزعاجه من إهماله لصوته وعدم الاكتراث بنقده وسؤاله وكشف ملفات تجاوزاته.

سلوك الحاكم يولد احتقاناً لدى معارضيه ، وبالاستمرار ، يتحول المعارض إلى شخصية مرهقة ، نتيجة إحساسه بالقهر والإهمال ، وعدم الوصول إلى غايته في النيل من الحاكم.

مع طول فترة المعارضة ، تتأصل هذه الكراهية الموجّهة نحو الحاكم في شخصية المعارض ، ويكون عرضة للوقوع في شباك التطرف في السلوك مع الحاكم ، وقد تتحول طلباته المدنية المعروضة في البدء إلى طلبات ذات طابع انتقامي وإلغائي للحاكم ولكل من له صلة بالحاكم.

إن حياة المناورة والاختباء والخوف من القمع والتصفية ، تولد سلوكية قد تكون عدوانية ، ربما يتصورها المعارض هي للحاكم فقط ، لكنها ستكون وبالحتمية سلوكية رفض لكل حالة فيها شكّ وريبة ، وربما يتصاعد هذا الشعور إلى الابتعاد عن كل مساومة أو مفاوضة حقيقية لتحقيق هدف المعارضة.

داخل كل معارض إنسانٌ جميل ، في البدء رفض سلوك الحاكم ، ومع استمرار هذا الرفض ، إنسحب ذلك الإنسان الجميل في داخله وتقدم الإنسان الآخر ، الذي يعتمد مبدأ المجابهة والكراهية وفضح الفساد ، وهذا يعني بالنتيجة ، فقدان كميات من الحب المتأصل داخل شخص المعارض.

بقدر ما يضرب المعارض شخص الحاكم ، فهو يحفر في ذاته كذلك ، وبالأخص ، أولئك الصادقين في معارضتهم ، فهم يهبون أرواحهم لعملهم وينسون بإرادتهم أو بدونها معالم شخصيتهم الحقيقية ، قلقون في الليل والنهار ، يفكرون ساعات طويلة ، يتابعون حركة الحاكم بصغيرها وكبيرها ، يحللون ، يكتبون ، يخرجون للساحات يتظاهرون ، يعودون مرهقين ، هاملين حياتهم الشخصية ، ومفرداتهم اليومية ، يستقبلون رسائل التهديد والسخرية ، السبّ والانتقاص .. ورغم كل ذلك ، فهم .. مستمرون.

وحين ينهار الحاكم ويسقط .. فمن الخطأ الفادح تولي شخص المعارض مكانه ، لأن الحاكم قد استهلك بسنين تسلطه ، استهلك روح المعارض المدنية الهادئة الجميلة التي تستطيع إدارة دفّة الحكم.

الحكم ، له رجالاته ، ممن لم يعيشوا سنين أزمات ، أصحاب اختصاص ، ينامون مبكراً ويصحون مبكراً ، أدمغتهم خالية من المؤامرة والمناورة وضرب العدو واستغلال الفرص.

أغلب الديكتاتوريات العربية ، حين انهارت واستلمت المعارضة الحكم ، كانت نتائجها كارثية ، لأن المعارضة سحبت سلوكها إلى دفة الحكم ، وعملت بنفس آليات فترة المعارضة ، وهي الكراهية وتقديم سوء النية في التعامل وتصفية الخصوم وتأمين المنصب  خوفاً من الإطاحة أو الاغتيال.

ثم ماذا ؟

يجب تهيئة نخبة واعية ، من خارج دائرة المعارضة ، قادرة على إدارة البلد بعد التغيير ، وتبقى المعارضة معارضة ، تراقب أداء الحكام الجدد ، غير ذلك ، القضية ستبقى مفتوحة لحاكم عسكري يصادر أي انتفاضة ويمسك زمام الأمور ويتصرف هو بمشيئته ، أو تعاقب أنظمة عرجاء تغير وجه الدولة وتبقي نفس آليات الديكتاتور السابق ولكن بلباس جديد.

وفي الختام أقول (( إن مجد المعارض .. هو أعظم من مجد الحاكم في تاريخ الشعوب )) ، فيا أيها المعارضون ، ابقوا معارضين.