لماذا محاربة الحلف العسكري الإسلامي


ماجد السامرائي

إيران لم تتعجل بموقف رسمي تجاه الحلف السعودي وأحالت التعبئة الإعلامية القوية ضد المشروع الجديد إلى حلفائها وأدواتها الحزبية والدعوية في لبنان والعراق وسوريا.

الخطوة السعودية بتشكيل الحلف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب أثارت زوبعة من التشكيك في دوافع هذا الحلف وأهدافه، ولأنه ضرب على وتر الإرهاب الذي يلعب به اليوم الجميع، الصغار والكبار.

ولا نستغرب ردود الفعل السريعة من داخل العراق ولبنان لأسباب طائفية، أما مواقف طهران وموسكو فلم تكن مباشرة للاعتبارات المصلحية لكل منهما. لكن الخطوة السعودية كشفت أن التشرذم والاستقطاب الطائفي فرضا نفسيهما بقوة على المنطقة.

المبررات السعودية تنطلق من توجه جديد بدأ منذ عاصفة الصحراء في اليمن يستهدف إخراج إدارة الصراع من القوى الكبرى (أميركا وروسيا) وكذلك إيران، وتحويله إلى أهل المنطقة، ولعل اقتراب السعودية من موسكو بعد هذا التوجه الجديد جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتأنى في التشكيك بالمشروع السعودي، وقد يكون طامعا في أن يكون قريبا منه حتى وإن كانت من أهدافه إزاحة نظام بشار الأسد عن السلطة، فهو يحتاج المال السعودي في تسديد جزء من نفقاته العسكرية رغم أن السعوديين وبلدان الخليج لن يقدموا مالا ينفق ضد مصالحهم ومصالح أهل سوريا.

ما يحرص عليه بوتين هو تنفيذ حلمه بأنه الأجدى بقيادة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سبق لليمين الأميركي المتطرف أن صممه، لكن جناحه الأميركي قد كُسر في العراق على يد شعبه المقاوم، ويسعى الجناح الروسي اليوم إلى أن يعيده إلى الحياة في سوريا الجريحة لكن مصيره كمصير سابقه في العراق.

أما إيران الباحثة عن موقع في صفوف الكبار فلم تتعجل بموقف رسمي مباشر تجاه الحلف السعودي يتجاوز التشكيك عبر برلمانيين ووسائل إعلام إيرانية، وأحالت التعبئة الإعلامية القوية ضد المشروع الجديد إلى حلفائها وأدواتها الحزبية والدعوية في لبنان والعراق وسوريا، فيما نلاحظ أن الصين أعلنت أخيرا عن دعمها لهذا الحلف.

المهم في هذا الشأن ما تعنيه ردود الفعل الطائفية الصادرة من لبنان والعراق. فزعيم خطاب “الممانعة” حسن نصر الله كان أكثر وضوحا من غيره في الهجمة الإعلامية والسياسية ضد الحلف الذي تقوده السعودية، في تعبير واضح عما وصل إليه الاحتقان الطائفي بعد أن أصبح هناك إسلامان (إسلام شيعي وإسلام سني) يتنازعان رهان قيادة المنطقة (السعودية أو إيران) والتوصيفات جاهزة (أميركا تقود الحلف السني لخوض المعركة الحاسمة ضد داعش وهي لا تريد إرسال قوات برية) مع أن رفاقه في المذهب بالعراق والذين أتت بهم أميركا لحكم بغداد يقولون “إن أميركا هي من أتى بداعش وتدعمه”.

ولعل تطابق الموقفين الحكومي والحزبي (الشيعي) في العراق كان أكثر وضوحا، لسبب بسيط هو أن الحاكم في بغداد لا يمتلك قرارا سياديا مستقلا، بل هو انعكاس لمواقف حزبية ضيقة. فرئيس الحكومة حيدر العبادي تسّرع في مواقف متشنجة ضد التحالف الإسلامي، في وقت يزور بغداد وفد دبلوماسي سعودي لفتح السفارة وتم تعيين سفير وكادر للسفارة، وهي خطوة غير مرحب بها من قبل الأحزاب الشيعية. تنطلق منه هذه التصريحات وسط حملة إعلامية واسعة ضد السعودية من جميع الأحزاب الشيعية وبينها حزبه. العبادي يرى في التحالف أنه “ورقي وإعلامي وأن الكثير من أعضائه لا يمتلكون إمكانات عسكرية” وكأن الجيش العراقي الذي يقوده العبادي هو أقوى من جيش مصر المليوني أو جيش السعودية أو تركيا أو الأردن الذي يدرب العسكريين العراقيين الآن.

وما يثير الغرابة أنه يعبر عن الموقف الطائفي بلغة أكثر حدة، بالقول “إن فتوى السيستاني والحشد الشعبي هما من أوقف زحف داعش إلى الخليج”، في الوقت نفسه يصرح هادي العامري بالقول “إنه لولا قاسم سليماني لكان داعش يسيطر الآن على كل العراق”، ثم يدعو حزب الدعوة على لسان علي الأديب إلى محاربة الحلف الذي تقوده السعودية. ويتساءل العبادي في انزعاجه من تشكيل هذا الحلف العسكري “لماذا لم يسأل العراق عن تشكيل هذا التحالف وهو المعني به إلى جانب سوريا؟”، وهو محق بهذا التساؤل، ولكن أليس السبب الحقيقي هو أن النظام العراقي رفض، ويرفض، تواجد أو دخول أو مساهمة أي قوات عربية في الحرب على داعش، ويسمح للقوات الإيرانية والأميركية وربما الروسية بحريّة الانتشار على أرضه؟ فالموقف تعبير عن انقسام وصراع طائفي مدّبر.

ورغم احترامنا للمرجعية وموقعها بين أنصارها داخل العراق، لكن لماذا تسمح باستخدام اسمها لجميع الأغراض والأهداف الحزبية؟ أليس من الأفضل لرئيس حكومة كل شعب العراق توصيف المعركة ضد داعش بأنها معركة وطنية تشمل جميع العراقيين ومن يساندهم من العرب والمسلمين ومن بينهم عرب الخليج؟ أليس تأجيج الصراعات والخلافات مع بلدان العرب بدوافع طائفية يخدم داعش، ولم يبق إلا أن نسمع من يوصف هذا الحلف بأنه “داعشي” على إيقاع أن المخالفين طائفيا هم داعشيون؟

خلاصة القصة أن الانشغال العالمي بداعش والإرهاب لا يحتاج إلى أحلاف وجيوش ومؤتمرات. ببساطة القضاء على داعش والإرهاب يحتاج لإرادة أممية جدية في حل المشكلة السياسية في كل من العراق وسوريا، ففي هذين البلدين حصلت مقايضة رخيصة ومدّمرة لهذين الشعبين: السلطة لأولئك الحكام مقابل الاستباحة الكاملة لجميع مقدسات السيادة والأرض وحقوق الخبز والحرية.

الإيرانيون متمسكون بما حصلوا عليه في العراق من مغانم هائلة، وقاعدة استراتيجية كبيرة، فإن تنازلوا عن سوريا لروسيا، فبغداد غير مسموح اللعب بها، وهذا هو جوهر المشكلة السياسية في العراق وهناك تشابك مصالح محلية معقدة داخل الأحزاب الشيعية ومع من يدعون تمثيل العرب السنة في الحرب على داعش، وتلك الزعامات السنية تتطلع اليوم لإحياء نفسها عبر مشاريع خطيرة كمشروع الدولة السنية، وستظل قضية داعش لوقت غير قليل غطاء سياسيا لاستمرار أزمة شعبيْ العراق وسوريا، والخلاص الحقيقي هو في وضع حل سياسي جريء يضع مصالح العراقيين العليا فوق كل اعتبار، وهو سهل على القوى الكبرى، وفي مقدمتها أميركا، إن أرادت؛ مراجعة شاملة وجدية لما خلفه الحكم الطائفي في العراق من كوارث واستبداله بطرق سلمية بنظام مدني تعددي جديد لا طائفي، وإزاحة جميع المتسببين في كوارث العراق الأمنية والسياسية والاقتصادية. أما في سوريا فالحل رغم تعقيداته ممكن بعد إعادة الاعتبار لشعب سوريا في تقرير مصير حكمه.