‘د. خطار أبو دياب: عبد الرحمن الكواكبي وما بعد الاستبداد’
23 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
- د. خطار أبو دياب – مجلة رؤية سورية
“المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً “…
” الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى ( …) ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه”.
” المستبدُّ عدوُّ الحق عدوُّ الحريَّة وقاتلُهما ، والحقُّ أبو البشر والحرية أمُّهم ، والعوام صبيةٌ أيتامٌ نيامٌ لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوتهم الراشدون ، إن أيقظوهم هَبُّوا ، وإنْ دعوهم لبَّوا ، وإلا فيتصل نومُهًم بالموت “
“المستبدُّ يتجاوزُّ الحدَّ مالم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظالمُ على جنبِ المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم كما يقال : الاستعداد للحرب يمنع الحربَ” .
“المستبدُّ إنسانٌ مستعدٌّ بالطبع للشر ، وبالإلجاء للخير ، فعلى الرعيةِ أنْ تعرفَ ما الخيرُ وما الشرُّ ، فتلجئ الظالمَ للخير على الرغمِ من طبعه ، وقد يكفي للإلجاء الطلب وحدّه إذا علم الظالمُ أنّ وراء القولِ فعلاً ، ومن المعلوم أنَ الاستعداد للفعل فعلٌ يكفي شرَّ الاستبداد”
في سياق بحثه ، يعلمنا الكواكبي ان المستبدُّ يتحكّم في شؤون الناسِ بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدِّي فيكم أفواه الملايين لكي يسدُّها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبتِهِ .
ويصور الكواكبي في نصّه طبيعة المستبدّ الشريرة ، فهو يتخذ من هواه قانوناً ، ويحكم الناس حسب مشيئته ، ويسوسهم بأهوائه ، وهو مدرك أنّه معتد أثيم فيسترسل في ظلمه ، يكم الأفواه ، ويحول بينها وبين قول الحقّ. والمستبدّ يحارب الحرية والعدل لأنهما أصل حياة الشعوب ومنطلقِها.
حسب الكواكبي، الاستبداد أصلٌ لكلِّ فساد ، ومعنى ذلك أنَ الباحثَ المدقّق في أحوال البشر وطبائع الاجتّماع كشف أَنّ للاستبدادِ أثراً سيئاً في كلِّ وادٍ ، فالمستبدُّ يضغطُ على العقلِ فيفسده ، ويلعب بالدين فيفسده ، ويحارب العلمَ فيفسده، أي ان الاستبداد أساس كلِّ فسادٍ في المجتمع ، أما علماء الاجتماع الذين تعمّقوا في دراسة الطبائع البشرية وجدوا بعد البحث والتدقيق أن للمستبدِّ تأثيراً سلبياً في المجالات كلّها ، فهو يفسد العقل ، والدين ، ويشنّ حرباً قاسية على العلم ويخلص الكواكبي إلى القول إن الاستبداد والعلم ضدان متغالبان ، فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم وحصر الرعيّة في حالك الجهلِ.
من اجل ايجاد بدائل الاستبداد ‘ لا بد من إن إعادة البناء المؤسساتي للدولة العربية ولمفهوم الديمقراطية فيها . يتطلب ذلك احترام البعد التاريخي والثقافي، حيث تصبح الهوية الخاصة مصدرا لقوة وغنى الدولة، والبعد السياسي عبر توزيع الاختصاصات بين المركزي والمحلي وإشراك أوسع للنخب السياسية في تدبير الشأن العام، واخيراً البعد الاقتصادي من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
من الدروس الهامة للتجارب الاوروبية الناجحة يتضح أن كل إصلاح سياسي ومؤسساتي للدولة يستلزم تحضيرا استثنائيا وشموليا ضمن مخطط استراتيجي، يعيد النظر في مجموعة من الأسس التي ينبني عليها التنظيم الإداري في الدولة المعنية بصفة عامة ونمط التدبير المحلي والجهوي على وجه الخصوص. وما المشاكل الحالية في تونس وليبيا ومصر واليمن إلا نماذج على صعوبات المراحل الانتقالية ، وهي تقدم دليلا على ان غياب الاحزاب خلال ظلمة عهود الاستبداد ، زاد من الشلل الفكري وغياب الرؤى .
إن التجديد النهضوي ، فكراً وممارسة هو المخرج المطلوب من أزمة النظام السياسي العربي. وتكمن ألف باء التغيير في الديمقراطية الحقيقية داخل المجتمع المدني وخصوصاً داخل الأحزاب والتيارات السياسية وقبول هذه القوى لمبدأ التداول السياسي والاعتراف بالآخر. إن محور التنوير هو قيام الفرد ـ المواطن وترابط الديمقراطية بالمواطنية وليس بالعصبيات أو بالأكثرية العددية تلقائياً. ضمن هكذا تصور تصبح الخصوصيات مصدر غنى وإبداع في إطار تنوع مثمر. والأهم من كل ذلك عودة مناخات الحوار والحيوية الديمقراطية إلى الساحات العربية لكي يعود الإنسان العربي سيد مصيره بعيداً عن سيف التسلط أياً كان مصدره .