السعودية تكثف دورها في الأزمة السورية للحد من تنامي النفوذ الإيراني

23 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
8 minutes

  • العرب

تتسع دائرة الصراع على النفوذ بين إيران والمملكة العربية السعودية في دول عدة في الشرق الأوسط مميطة اللثام عن الجذور السياسية للخلافات بين القوتين. وظهرت ملامح هذا الصراع بشكل مباشر في الفترة الأخيرة مع الملف السوري، حيث تشدد القيادة السعودية على ضرورة إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بكل الطرق والوسائل، وتوظف كل إمكانياتها المادية وتحالفاتها الإقليمية، والدولية، من أجل هذا الهدف، فيما القيادة الإيرانية تسعى في المقابل لإفشال هذا الطموح السعودي عبر خوض الحرب في سوريا إلى جانب بشار الأسد.

اتخذت السعودية مؤخرا مواقف أكثر جسارة تجاه النزاع السوري خشية تحقيق نظام الرئيس بشار الأسد مكاسب مستفيدا من دعم خصمه الإقليمي إيران والتدخل العسكري الروسي، بحسب دبلوماسيين ومحللين.

واستضافت الرياض هذا الشهر مؤتمرا لأطياف سياسية وعسكرية سورية معارضة، صدرت في ختامه رؤية موحدة لمفاوضات محتملة مع النظام، تشترط رحيل الرئيس بشار الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية.

وبعد أيام من ذلك، أعلنت الرياض تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة بهدف “محاربة الإرهاب”، في خطوة تلاها نقل وسائل إعلام عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن دولا عدة خصوصا خليجية، تجري “مشاورات” حول إرسال قوات خاصة إلى سوريا. ويقول دبلوماسي دولي رفض الكشف عن اسمه، إن الاستراتيجية السعودية الراهنة “مرتبطة بإيران” الخصم اللدود للمملكة والمنافس لها على نفوذ إقليمي يمتد من اليمن حتى لبنان.

ويعتبر المراقبون أن الأزمة السورية تعد إحدى أهم ساحات الصراع السياسي ما بين الاستراتيجية السعودية والمشروع الإيراني في المنطقة. ويذهبون إلى أن تطور الأحداث عسكريا على الساحة السورية ساهم إلى حد كبير في تحريك الجهود السعودية في اتجاه أن تلعب دورا أكثر أهمية لا سيما في هذه الفترة.

وتعد إيران وروسيا أبرز الداعمين للنظام، وساندتاه بأشكال شتى لا سيما على المستوى العسكري، منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة له عام 2011، والتي تحولت إلى نزاع دام متشعب أودى بأكثر من 250 ألف شخص.

وأتى توحيد المعارضة قبل مفاوضات محتملة تم الاتفاق على عقدها خلال اجتماع منتصف نوفمبر الماضي في فيينا، وتجمع دولا معنية بالنزاع السوري، بينها السعودية وإيران. وتضمن اتفاق فيينا خطوات لإنهاء النزاع تشمل تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات.

الأسد نقطة الخلاف

وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع الأسبوع الماضي، يتضمن خطوات لحل الأزمة السورية. ويرى مراقبون أن السعودية ناشطة جدا لأنه يبدو أن النزاع السوري يقترب من مراحله الأخير، وثمة حاجة للمملكة في هذه اللحظة.

وكان الجبير أكد الشهر الماضي أن الحل العسكري لإزاحة الأسد لا يزال مطروحا، رغم تصريحات بعض المسؤولين الغربيين التي ألمحت إلى احتمال تقبل دور معين للأسد في المرحلة الانتقالية، لا سيما في ظل تنامي التهديد الجهادي وتبني تنظيم الدولة الإسلامية هجمات في الغرب.

ورغم ما يبدو من خلاف روسي سعودي بشأن طبيعة الحل السياسي للأزمة السورية، حيث ترى موسكو ضرورة الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، وترى الرياض أنه لا يمكن التعامل مع الرئيس السوري بشأن أي حل سياسي لمستقبل سوريا، إلا أن المحللين يذهبون إلى القول إن هناك تفاهما سعوديا-روسيا على حل سياسي للأزمة السورية. مشددين على أن الرياض هي التي دفعت وتدفع موسكو للعب دور أكبر في إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، وترى أن هذا الحل يجب أن يبعد الرئيس الأسد عن السلطة. ويعلل هؤلاء ذلك بكون أن حقيقة الأمور تكمن في أن السعودية تريد الإبقاء على الجيش وعلى مؤسسات الدولة في سوريا حتى لا يتكرر السيناريو العراقي دون الإبقاء على النظام (أي الرئيس الأسد وأعوانه الذين يشاركونه مسؤولية الحرب على الشعب السوري).

كما تتفق الرياض مع موسكو بشأن ضرورة التصدي للإرهاب وتنظيماته لا سيما داعش لأن خطر هذه التنظيمات على السعودية هو أشد على المملكة مما هو على روسيا أو أي دولة أخرى. ويقول سعوديون إن الرياض تعاونت أمنيا مع موسكو بشأن التصدي للإرهاب وقدمت معلومات مهمة للأجهزة الأمنية الروسية حصلت عليها أجهزتها الأمنية بشأن العناصر الإرهابية الشيشانية المنضمة لجبهة النصرة ولداعش.

استباقا لرفع العقوبات

وتتهم السعودية إيران بالتدخل في ملفات إقليمية عدة لا سيما سوريا والعراق واليمن ولبنان، انطلاقا من حسابات مذهبية تعمل على تغليب مصلحة المكونات الشيعية في هذه الدول على حساب المكون السني.

وفي ظل هذه التباينات، كشف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري عن جهود دبلوماسية لتسهيل حوار مباشر بين طهران والرياض من أجل تسوية الخلافات والقضايا الإقليمية.

وتزايدت الهواجس السعودية تجاه تنامي نفوذ طهران في أعقاب الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، والذي سيؤدي تباعا إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، في مقابل الحد من قدراتها النووية.

ويقول الدبلوماسي الإيراني إن السعودية “ترغب في جمع أصدقائها وحلفائها” قبل تحرر إيران من القيود التي فرضها برنامجها النووي”.

ويرى دبلوماسي غربي آخر أن الاعتقاد السائد هو “أنه إذا أردت إنجاز أمر ما، لا يمكنك الاعتماد على الآخرين”. مضيفا أن التنافس الإقليمي مع طهران كان له دور كبير في المعارضة السعودية للأسد، والمطالبة برحيله عن الحكم.

ويضم التحالف الإسلامي الوليد دولا معظمها ذات غالبية سنية، ولم يضم في صفوفه إيران، أو حتى العراق وسوريا حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف على مساحات واسعة منذ أكثر من عام.

وبحسب مجموعة “أوراسيا” البحثية، فإن التحالف الذي أعلنته السعودية، ورغم أنه لا يقوم حتى الآن بخطوات عسكرية عملية، فإنه قد يساهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “فقط في حال كان النظام السياسي في مرحلة ما بعد النزاع في سوريا والعراق، يضعف نفوذ إيران”.

وأتى الإعلان عن التحالف الجديد على لسان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بعد قرابة تسعة أشهر من تشكيل الرياض تحالفا عربيا يساند الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ضد المتمردين الحوثيين الذين تتهمهم بتلقي الدعم من إيران.

ومنذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد العرش في السعودية، يرى دبلوماسيون غربيون أن المملكة غيرت من سياستها الدبلوماسية الهادئة لصالح مقاربة هجومية أكثر في السياستين الإقليمية والدولية. ويرى هؤلاء أن الأمير محمد بن سلمان هو أحد الدافعين بقوة باتجاه هذه المقاربة الجديدة للسياسة الخارجية.

وبعد تزايد هجمات الجهاديين في الغرب خلال الفترة الماضية، وجه سياسيون غربيون انتقادات لدول خليجية أبرزها السعودية، متهمين إياها بتغذية الإرهاب، وهو ما رفضته مرارا المملكة المشاركة في الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وردا على سؤال عن سبب الاهتمام السعودي بسوريا، قال الدبلوماسي الغربي إن النزاع السوري هو حاليا عامل أساسي لعدم استقرار المنطقة. وأضاف “لو لم تكن ثمة حرب في سوريا، ربما لما كان هناك وجود لتنظيم الدولة الإسلامية”.