محمد برهومة يكتب: 2016 السوري



محمد برهومة

لن يُعتدّ بالتقدم الذي تحقق في كل من محطات “فيينا 2″ و”مؤتمر الرياض” ولقاء نيويورك الذي تمخض عنه القرار الأممي 2254، إذا لم يحدث تقدّم في وضع آلية متماسكة بشأن مسألة وقف إطلاق النار في سورية. ذلك أنّ لهذه المسألة وثيق الصلة بالمعضلتين الأساسيتين محل الجدل والخلاف بين الأطراف كافة؛ أي مستقبل الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها، ولائحة التنظيمات الإرهابية في سورية التي سيتم استبعادها من أي تسوية مقبلة، وعدم استثنائها بالتالي من القصف والضربات حال الاتفاق على وقف إطلاق النار.
يُخشى من الغموض الروسي بشأن دور الأسد في المرحلة الانتقالية أن يكون مجالاً لكسب الوقت وتبديد كثافة اللحظة السياسية النوعية التي تمخضت عن “مؤتمر الرياض”، والذي قدّم إطاراً هيكلياً موحداً يعكس الطيف الأوسع من فصائل المعارضة. هذا الغموض دفع بوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إلى القول “إن المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة لن تنجح الإ إذا كانت هناك ضمانات موثوق بها بشأن رحيل الأسد”. “مؤتمر الرياض” كان واضحاً في تأكيد ألا مستقبل للأسد في المرحلة الانتقالية، وهي مسألة تجنب الخوض فيها القرار 2254.
القاسم المشترك في الحراك السياسي والدبلوماسي حول سورية منذ لقاء فيينا وصولاً إلى صدور القرار 2254، أن العامل الخارجي الإقليمي والدولي هو من يقود تشكيل مسارات الحلول السياسية حول سورية. وإذا كان ثمة رجحان لمصلحة روسيا في تقرير مصير الأسد وإزالة الغموض عن دوره في المرحلة الانتقالية وما بعدها، فإن مصير “أحرار الشام” يشكّل البند الثاني من هذا الغموض، والذي يعني أنّ الفشل في إدارته سيكون مدخلاً لتصدّع كبير في صفوف المعارضة العسكرية السورية. والإشكالات المعقدة بالغموض الثاني تختزل في ثلاثة مجالات. أولها، أنّ تنظيم “أحرار الشام” ذو ثقل عسكري ميداني كبير في إدلب وحلب وحماة واللاذقية، وهو ثقل مستهدف من النظام وإيران وروسيا لإضعاف المعارضة وتعديل موازين القوى لمصلحة الشراكة بين روسيا والنظام وإيران في ظل التحضير للمرحلة الانتقالية. وثانيها، أنّ أحد الموارد الرئيسة لقوة “أحرار الشام” الميدانية ضد النظام وحلفائه هو تحالف “أحرار الشام” مع “جبهة النصرة” واقترابه الأيديولوجي منها، وتحالفه مع “الجبهة الشامية”. وهي تحالفات قوية وواسعة في الوقوف بوجه النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه، لكنّ بناءها الأيديولوجي المتطرف يعرقل، حتى الآن، احتمالات “إعادة تأهيلها” واستدخالها في العملية السياسية المقبلة والاستفادة منها في معركة التفاوض والحل السياسي. وثالثها، أن “أحرار الشام” مصنّفة كحركة إرهابية لدى الإمارات وروسيا، وقد نشرت “واشنطن بوست” قبل أسابيع تقريراً ورد فيه أن ثمة تحقيقات تجرى في أميركا مع شخص سوري ذي صلة مع نشاطات تنظيم إرهابي، قال التقرير إنه “أحرار الشام”. وبرغم مقالات لبيب نحاس في الصحافة الغربية، فإن المراقبين قالوا إن زعيم “النصرة” أبو محمد الجولاني، حين قال إن المقاتلين في الميدان لن يلتزموا تعهدات قادتهم الذين حضروا “مؤتمر الرياض”، إنما كان يقصد “أحرار الشام”.
إرث الثورة الفلسطينية مفيد لإعطاء الدروس لقادة المعارضة السورية، والانشقاقات والتحالفات المضادة عند بدء المسار السياسي شائعة ومشهورة. لكنّ المهم إدراك مصادر القوة واستغلال الظرف الجيّد الذي تحقق في “مؤتمر الرياض”، والقراءة الإيجابية للتحوّل الروسي النسبي الذي تمثّل في طيات القرار 2254، وبالتالي صياغة التحرك على وقع مصادر القوة تلك، مع الانتباه إلى أن عدالة القضية السورية، كما الفلسطينية، شيء، وحركة الدول الكبرى وتوازناتها شيء آخر.
الأمل في أن يكون العام 2016 عاماً لإرساء التسوية في سورية. وتراجع القتل وعودة الحياة مرهونان بترسيخ الثقة بهذه التسوية وحلّ معضلاتها.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا