حول سورية ولبنان والنضال ضد إسرائيل


جهاد يازجي

أثارت عبارة المؤرخ اللبناني والناشط الشيوعي السابق فواز طرابلسي حيث وصف سمير القنطار، الأسير السابق في السجون الإسرائيلية، بشهيد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، موجة واسعة من الجدل وحتى الغضب لدى أنصار الثورة السورية عموماً، وبين السوريين منهم خصوصاً.

منذ انطلاقة الثورة السورية، أعلن القنطار في مناسبات عدة دعمه للنظام السوري، ساعياً لحشد الدعم له وواصفاً الثوار بالإرهابيين.

حقيقة عدم اشارة الطرابلسي في عبارته الى موقف القنطار من النظام السوري فُهمت كمجازفة للتغطية على كل اؤلئك الذين يدعمون النظام السوري. وبكلمات أخرى، ترجمت مقالة الطرابلسي على النحو التالي: «مهما كان موقفكم من النظام السوري، وطالما أنكم حاربتم اسرائيل يوماً ما وفي مكان ما، فانكم تُمنحون صفة الشهيد».

يعــود السبــب وراء هذا الانفعال الذي أثارته العبارة الى موقع الطرابلسي في الساحة السياسية والثقافية العربية. فهو واحد من المفكرين النادرين والنشطاء السياسيين الذين يظهرون بشكل دائم وضوحاً واتساقاً في مواقفهم من حقوق شعوب هذه المنطقة ومن النضال ضد الظلم والديكتاتورية والصهيونية.

سلط الجدل حول التصريح الضوء، أيضاً، على الكيفية التي يُنظر فيها الى التهديد الاسرائيلي في كل من لبنان وسورية، وعلى دور النضال ضد الصهيونية في اطارالجدل الاوسع حول النضال في سبيل حرية وكرامة الانسان في المشرق العربي.

كان للنضال ضد الصهيونية بالغ الأثر بالنسبة للكثير من اللبنانيين، وبخاصة الناشطين السياسيين امثال الطرابلسي. فقد فقدوا أصدقاء وأقارب ورفاقاً وأخوة سقطوا بالسلاح الاسرائيلي. كما شهدوا كيف دمرت الدولة الصهيونية منازلهم وقراهم ومدنهم. لقد عايشوا العدوان والغزو الاسرائيليين أعوام 1978 و1982 و1996 (قانا و2006. أما الأجواء والمياه الدولية اللبنانية فتنتهك يومياً من قبل الاسرائيليين.

أما بالنسبة للسوريين فكانت لديهم تجربة مختلفة. فعلى رغم أن العداوة لإسرائيل تشكل جزءاً مهماً جداً من الوعي السياسي لدى جميع السوريين فانهم لم يعانوا، على امتداد 40 عاماً، من مواجهة مباشرة معها ولم يفقدوا أصدقاء ولا أقارب، ولم يروا غزواً اسرائيلياً، ولم يشهدوا تدمير قراهم ومدنهم على يد الاسرائيليين. وهكذا فإنهم إذ يشاركون في رفض اسرائيل، فإنهم لا يرون التهديد الاسرائيلي بالطريقة نفسها التي يراه فيها الكثيرون من اللبنانيين، وهو لم يحمل إليهم نفس المعاناة والمشاعر.

من الناحية السياسية، فإن ما كان الطرابلسي وغيره ممن يحملون القناعات نفسها، يحاولونه منذ سنوات عدة، هو تذكير الجميع بحاجة شعوب المنطقة، والتقدميين منهم بشكل خاص، الى ضرورة استعادة الاهمية للنضال ضد اسرائيل.

ومنذ عقود يبرر النظام السوري القمع السياسي الذي يمارسه ضد شعبه بالحاجة الى رص الصفوف والقتال في سبيل استعادة هضبة الجولان وفلسطين. وفي الثمانينات، وعندما كان السوريون يفتقدون الى كافة البضائع والخدمات، كان النظام السوري يلقي باللائمة على العقوبات الدولية واسرائيل. ومع ذلك، لم يقم باي خطوة جدية لقتال اسرائيل، ولم ير أحد أي سلاح أو مساعدة ترسل الى المناطق السورية والفلسطينية المحتلة.

وبكلمة أخرى، اذا كان النظام السوري قد استخدم فلسطين وهضبة الجولان كمبرر للاستمرار في قمع السوريين، فذلك جعل من القضيتين كبش فداء سهلاً، أي بكلمة أخرى، كانت القضيتان ضحايا للنظام ولم تكونا سبباً في معاناة السوريين.

بالطبع، كانت كلمات الطرابلسي غير مناسبة. لأن اعتبار أحد الداعمين لنظام قاتل «شهيد المقاومة الفلسطينية واللبنانية»، يثير تساؤلات جدية حول المبادىء الاخلاقية والسياسية لهذه المقاومة. مع ذلك، لا يجوز ان يصرف هذا الامر انتباهنا عن النضال ضد اسرائيل، وانه جزء من نضالنا الاكبر لاستعادة كرامتنا. كانت اسرائيل، ومنذ زمن بعيد، حليفاً موضوعياً للنظام السوري، وهذا واحد من أسباب عدة حالت دون سقوط النظام، وهي حليف مباشر لروسيا، أحد أقوى رعاة النظام. وعلى رغم كل ذلك فالنظام السوري، كالعديد من الدول والتنظيمات في المنطقة، يستخدم الصراع ضد اسرائيل كمصدر للشرعية السياسية.

خلاصة القول، في خضم النضال ضد الديكتاتورية والظلم، لا نستطيع نسيان إسرائيل، وإذا أردنا تقرير مستقبلنا، يجب علينا ان نجعل من النضال من أجل فلسطين والجولان نضالنا، وعلينا ألا نترك هاتين القضيتين للنظام ولإيران ولأتباعهم في المنطقة.