د.عبد الله العوضي يكتب: «السوفييت» زمان.. وروسيا الآن!



د.عبد الله العوضي

لماذا روسيا الآن تعيد سياسات وممارسات «السوفييت» زمان؟ ما الذي حدا بروسيا أن تبحث لها عن داء العظمة بعد أن تبعثر الاتحاد السوفييتي إلى شذر مذر، ونالت كل قطعة دولتها وسيادتها أمام اعتراف العالم؟

إن فشل «الاتحاد السوفييتي» في امتحان أفغانستان كان يجب أن يكون درساً لروسيا في عدم المجازفة بالبقية الباقية من الاتحاد السوفييتي في سوريا بمبررات محاربة «داعش» أو الإرهاب الذي يذكرها بالشيشان وأزمتها في القرم التي دخلت على خط الصراع عليها عنوة كما فعلت مع الأفغان والشيشان وجورجيا ومناطق أخرى من تركة «السوفييت»، لا تزال في حسبان السياسة الخارجية الروسية الآن وغداً، دون أدنى استفادة من عِبر سالف الزمان.

التقارير الآنية بدأت تتحدث، وتثير غبار المعلومات الاستخباراتية حول حقيقة سقوط طائرة الركاب الروسية في سيناء. فالصحف الغربية بدأت في طرح أسئلة حول مدى إمكانية وجود بوتين نفسه وراء سقوط هذه الطائرة وهو منذ النشأة الأولى لسيرته الذاتية صنيعة الأجهزة الاستخبارية السوفييتية وليست الروسية، وهو الخبير بكيفية تدبير الحوادث المؤذية لنفسها من أجل توريط الآخرين في تفسيرها وتحليلها فيما هي تمضي إلى أهدافها من وراء ذلك.

فالتبرير الواضح هنا وفق ما ورد عن عميل سابق في ال «كي جي بي» هو إعطاء المشروعية اللازمة لحرب روسيا في سوريا، ووصفت بعض الصحف الغربية هذه الرواية الاستخبارية عن أبو الاستخبارات «السوفييتية» والروسية في نفس الوقت بأنها رواية «مشينة ومزعجة».

السيادة السورية التي تم انتهاكها من قبل روسيا وبإذن من النظام الذي أعطى الضوء الأخضر لمحاربة «داعش» الذي لم يتضرر من روسيا بل المعارضة هي التي تشكو الأمرين من الضربات التي فاقت ضربات النظام أضعافاً مضاعفة، وذلك بشهادة أميركا عليها.

والانتهاك الثاني إسرائيلي منسق مع الروس وفق التحليلات التي تؤكد على عدم تعرض الطائرة الإسرائيلية التي اغتالت «القنطار» بقنطار من الصواريخ الموجهة دون أن تنطق الرادارات الروسية ببنت شفة. بعد أكثر من أربع أعوام من احتدام الصراع المسلح في سوريا فجأة أصبحت روسيا معنية بسيادة سوريا المستهلكة من قبلها ومن قبل حليفتها إسرائيل، وهي التي تصر على وحدة الأراضي السورية أكثر من النظام الحاكم ذاته، لأنها تعامل سوريا كإحدى الدول المنشقة عن «الاتحاد السوفييتي»، وحرص بوتين على إعادة مكانتها السابقة في المعادلة السياسية لإدارة العالم بعد أن تراجعت القوى العظمى عن هذا الدور الأمامي واكتفت بسياسة البوابة الخلفية، وترك البوابة الأمامية لروسيا وإيران و«داعش» وكل التنظيمات المتطرفة للعب دور العبث، وذلك من أجل إتمام نظرية «الفوضى الخلاقة» بمزيد من العنف والتطرف والتشدد ضد أي حل سياسي مرتقب وآخرها، قتل «علوش» قائد جيش الإسلام الذي سيوقف الحل السلمي إلى حين وإن كان موعد الخامس والعشرين من يناير المقبل ليس شيكاً على بياض لهذا الحل السلمي العصي على التنفيذ بهذه الصورة، وهذا المشهد الغارق في الدمار من كل جانب على حساب سوريا الوطن والسيادة المنتهكة.

مع هذا كله، فإن روسيا مصرة وكأنها تحكم سوريا من موسكو على شرعية هذا النظام هناك، حتى لو جاء ذلك على حساب كل ما يتعلق ببقاء سوريا الدولة التي يجب أن لا تذهب في مهب الرياح السياسية المختلفة في الاتجاهات، فريح روسيا تكاد أن تقلع سوريا من جذورها الحضارية، وتحيلها إلى أوراق «الخريف العربي» التي تتطاير يمنة ويسرة بلا قرار أو استقرار.

المصدر : الإتحاد

أخبار سوريا ميكرو سيريا