منار الرشواني يكتب: الأسد ولبنان.. وتبدل الأدوار



منار الرشواني

كان غريباً أن تُعَنوِنَ حتى وكالات أنباء عالمية بشأن اقتراح ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة لبنان، بأن ذلك يعني احتمالية تولي المنصب من قبل صديق قريب جداً لعائلة الأسد، ومنذ الطفولة. فمثل هكذا إشارة تنطوي، بداهة، على اعتقاد بأن بشار الأسد ونظامه ما يزالان يملكان تأثيراً على ما يجري في لبنان، بل وعلى نحو ما كان عليه الأمر إلى ما قبل الثورة السورية؛ يوم كان مفروضاً على السياسيين اللبنانيين تقديم فروض الطاعة والولاء حتى لأصغر مسؤول أمني في نظام الأسد موجود في بلدهم، وإلا فمصيرهم هو التهميش حد الاستئصال بالاغتيال.
الحقيقة النقيض للافتراض السابق هي أنه لو قيّض للأسد البقاء في الحكم بشروط داعميه، فإننا سنراه يحج إلى طهران، إن لم يكن إلى الضاحية الجنوبية، لنيل الموافقة على وزراء حكومته وشاغلي المناصب العسكرية والأمنية في نظامه، وهو الذي ما بقي في منصبه إلا بفضل حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الطائفية العراقية والأفغانية التي تمولها إيران وتشرف عليها. وبسبب حقيقة فقدان علاقة فرنجية بالأسد لأي قيمة فعلية، يمكن إلى حد ما على الأقل، فهم تحفظ حزب الله ذاته على المقترح، حد رفضه، بل وكونه لم يحاول استغلاله باعتباره دليلاً على تراجع وهزيمة “تيار المستقبل” الذي تقدم رئيسه الرئيس سعد الحريري باسم فرنجية.
لكن الوجه الآخر الأهم لتبدل الأدوار بين الأسد ولبنان، وتحديداً حزب الله الذي يمثل القوة المهيمنة فيه بحكم سلاحه، يبدو من خلال ما يزعم عن إنشاء مقاومة سورية لتحرير الجولان، كما قيل بمناسبة مقتل سمير القنطار قبل أيام في دمشق.
فاستذكار الجولان اليوم بعد عقود من الصمت المطبق على احتلاله، إلا بالخطابات الجوفاء، ليس هدفه التحرير أبداً. الغاية الأوضح من ما يسمى “مقاومة تحرير الجولان”، هو استخدام الأرض السورية من قبل حزب الله لاستعادة بعض من شرعيته الضائعة، عبر زعم استمرار دوره المقاوم لإسرائيل، إنما من دون توريط حاضنته الاجتماعية، أساساً، في لبنان، بانتقام إسرائيلي مباشر. وهو ما يذكر تماماً بما فعل الأسد، أباً وابناً، بدعم الحزب في جنوب لبنان، مع الحفاظ على جبهة الجولان هادئة أكثر من كل جبهة عربية أخرى على حدود فلسطين.
وطبعاً، يراهن حزب الله في عملياته من سورية على أنه ليس من مصلحة إسرائيل القضاء على الأسد انتقاماً كما هددت يوماً. فالطرفان؛ الحزب وإسرائيل، يتفقان كما بات معلناً على ضرورة بقاء الأسد. لكن ذلك يعني بالتالي أن لا تتجاوز عمليات الحزب وإيران “المقاومة!” انطلاقاً من الجولان حدوداً معينة، بحيث يستوي بعدها بقاء الأسد ورحيله بالنسبة لتل أبيب. ولتكون هذه العمليات، كما شهدنا حتى الآن، عبوات ناسفة محدودة، لا تحرر متراً واحداً.
لكن إذا كانت هذه لعبة متأخرة ومنتهية الصلاحية لدى الشعوب، كما يعرف حزب الله وطهران تماماً، تكون الغاية الأخرى الأقل وضوحاً، إنما الأكثر منطقية، هو استخدام إيران لكل من سورية ولبنان محض ورقة في مفاوضات تقاسم النفوذ في المنطقة مع إسرائيل.

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا