سمير عطا الله يكتب: خروج أميركا أم خروج أميركي من الشرق الأوسط؟



سمير عطا الله

ثمة ظل ثقيل يرفض أن يغادر واشنطن. تمّعن قليلاً في سياسات باراك أوباما، ومن ثم في معركة الحزب الجمهوري، ثم تذّكر شعار السيناتور جون ماكين في حملته الرئاسية: «أنا لست جورج بوش»! وباراك أوباما الذي ورث أكبر كارثة سياسية واقتصادية في العراق وأفغانستان، يحاول أن يقول: «أنا لست جورج بوش». وحاكم فلوريدا المتسربل في حملته، جيب بوش، يحاول عبًثا أن يقول للأميركيين: «أنا لست أخي، وأخي ليس أنا». لكن كل هذا التبّرؤ لا يفيد. فلم ترتفع شعبيته عن ثلاثة في المائة حتى الآن. من الصعب محو الإرث السيئ في سهولة. جورج دبليو بوش احتل العراق في عمل واسع الأثر الفاسد، مثل احتلال صدام حسين الكويت. دّمر العراق وأغرق أميركا، وسلمها إلىُزمرة من الفاسدين الذين لم يتمالك والده نفسه من انتقادهم. جاء نائبه ديك تشيني إلى العراق ومعه شركته «هاليبورتن» وعاد بالملايين، لكنه أكل تعويضات عمال الشركة في فجور لا مثيل له. أُدخل ساخر مصر، محمود السعدني، السجن أيام السادات لأنه قال على الهاتف لصديق له: «داك مِّوتنا من البكا، وده حيمِّوتنا من الضحك». وقد مَّوت جورج دبليو العالم من الهجوم، وسوف يدمره أوباما من الانسحاب والانكفاء، وحتى إن مجلة «فورين أفيرز» في عددها الأخير تنعى الوجود الأميركي في الشرق الأوسط: «لقد أصاب الإمبراطورية الأميركية ما أصاب الإمبراطورية البريطانية من قبل: الوهن من شدة التمدد». ونسيت أن هذا ما أصاب الإمبراطورية السوفياتية أيًضا. لكن تراجع أوباما حدث على عجل، كما حدث تهّور جورج بوش. في رعونة الهجوم وبلادة الانسحاب، لم يأخذ أي منهما في الاعتبار مصالح الدول الحليفة. ما إن شعرت واشنطن، أو تأكدت، أن في إمكانها الاستغناء عن النفط العربي، حتى تركت كل شيء في مكانه. وأكثر من ذلك، أن المنطقة لم تعد بالنسبة إليها «صالحة للاستثمار. أنظمة غير قادرة على العمل، ومياه شحيحة، وأراض زراعية قليلة، وفيض هائل في القوة العاملة» كما تقول «فورين أفيرز»، مجلة دوائر الحكم والتخطيط. وما يبدو لنا أنه مزاج، أو قرار شخصي من أوباما، قد يكون أيًضا سياسة الإدارة برّمتها، سواء في العراق أو سوريا أو في المسألة الفلسطينية التي لم يعد أحد يأتي على ذكرها. بكلام آخر، ليس الهروب فقط من صورة جورج بوش وإرثه، بل أيًضا التسلل خارًجا من منطقة كثيرة الأعباء وغير قادرة على القيام بشؤونها. وبما أن الميزان الوحيد هو المصالح، «فلا أميركا بعد اليوم في الشرق الأوسط»

المصدر: الشرق الأوسط

أخبار سوريا ميكرو سيريا