أطفال سوريا الرضع يواجهون نقص التغذية بسبب انعدام الرضاعة الطبيعية وفقدان الحليب المجفف


28qpt955

ما زالت النساء تلد، وما زالت البلاد تنجب كل يوم آلاف المواليد الجدد، ورغم الموت الذي يملأ مختلف البقاع السورية، إلا أن الحياة لم تتوقف ولم تستسلم الأرحام ولم ينتظر السوريون العدم. ولكن يعاني معظم الأطفال الرضع في المناطق التي غادرها النظام والتي أصبحت شبه محاصرة، من سوء التغذية ونقص المواد الأساسية لاستمرار نمو الطفل السوري المولود في زمن الحرب، إذ أن نسبة كبيرة من هؤلاء الرضع لا تجد الغذاء الأساسي بكمياته المطلوبة، فلم يعد حليب الأم متوفراً كالسابق كما لم تعد تلك العلب المعدنية التي تحتوي على مسحوق الحليب المجفف في متناول اليد في أي وقت.
أنجبت السيدة منى مولودها الجديد منذ ثلاثة شهور؛ إلا أنها ومنذ اليوم الأول لم تتمكن من إرضاعه، تحكي منى لــ» القدس العربي» مشكلتها فتقول «لم أستطع إرضاع طفلي رضاعة طبيعية، فأنا أصلاً أعاني من سوء التغذية، وينقص وزني باستمرار بدرجة صرت أخشى على نفسي منها، فمن أين سيأتي الحليب الطبيعي».
وتضيف «زوجي مجرد عامل عادي وما نحصل عليه من دخل شهري يقل عن عشرة آلاف ليرة سورية، وهذا مبلغ بسيط في ظل الأسعار الحالية، نتناول وجبة واحدة كل يوم وغالباً ما تخلو هذه الوجبة من المواد الغذائية الكافية لأجسادنا، إلا أننا مستمرون بالحياة والحمد لله، لكن ما ذنب هذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره 80 يوماً أن يجوع مثلنا نحن الكبار».
محمد طبيب في أحد المشافي الميدانية بحلب أخبر «القدس العربي» أن معظم الأمهات «لم تعد أجسادهن قادرة على إنتاج الحليب الطبيعي الضروري لتغذية الطفل، وكثيراً ما يكون سوء التغذية هو السبب في ذلك نظراً للفقر المدقع الذي يعيشه الأهالي في المناطق المحررة».
ولكن بحسب الطبيب الشاب فإن سوء التغذية للأم ليس السبب الوحيد بل هنالك مجموعة أسباب أخرى أهمها «العوامل النفسية التي تعيشها المرأة السورية في ظل الحرب، فخوفها الدائم على حياتها وحياة أطفالها المعرضة للخطر في كل حين عامل أساسي، كما أن الرعب الذي تحدثه أصوات القصف لدى الناس ولدى النساء بشكل خاص أحد أهم الأسباب النفسية لانقطاع حليب الأم المفاجئ أحياناً، وأحياناً بشكل تدريجي».
تقول عائشة وهي أم لخمسة أطفالهم آخرهم «سما» ذات السبعة شهور: «لم أرضع «سما» نهائياً رضاعة طبيعية، نعاني أشد المعاناة في تأمين علبة الحليب لها، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات الإغاثية تسلمنا أحياناً كميات من حليب الأطفال، إلا أنها كميات ضئيلة بالنسبة لحاجة الطفل».
وتضيف «نستعيض عن الحليب الطبيعي أو الحليب المجفف المخصص للأطفال بحليب البقر غالباً، ورغم ارتفاع سعره إلا أننا نتمكن غالباً من تأمينه، ونرضعه للطفل بعد تمديده بالماء حتى لا يتسبب له بمشاكل هضمية، وعلى الرغم من ذلك كثيراً ما تعاني طفلتي من مشاكل معوية ومغص شديد أحياناً، أما حليب الأغنام فغير صالح للطفل ويسبب آلاماً في معدته وأمعائه».
آلاف الأطفال الرضع تحتفي المناطق السورية بقدومهم يومياً، إلا أن كثيرين منهم لا يحظون بما يستحقه ويحتاجه الرضيع، لاسيما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والتي يعاني أهلها ظروفاً صعبة لم تمر عليهم من قبل، إذ أن طول مدة الحرب جعل العمل الإغاثي مهنة قبل أن يكون عملاً إنسانياً، كما أن موارد الدعم تقلصت بحسب كثير من الإحصائيات خلال العامين المنصرمين.
بحسب عائشة فإن الأطفال كالكبار بل وأفضل تأقلماً على الظروف التي تعيشها البلاد، فطفلتها ابنة الشهور السبعة تتناول حالياً الكثير من الأطعمة التي يتناولها الكبار، وعلى الرغم من أنها تحتاج وجبتين يومياً على الأقل من الحليب إلا أن الأرز والبيض يعتبران الغذاء الأساسي لها حالياً، وتنمو الطفلة كغيرها من أطفال سوريا الذين أصروا على البقاء رغم كل الظروف التي تدفع للفناء.

 


المصدر : الإتحاد برس