‘بالصور : حب يبذل الغثاثة …فوتوشب السيسي في 2015’
30 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
الصور، التي جمعها الفنان عمار أبو بكر من عدة صفحات فايسبوكية، ونشرها في حسابه الأزرق على شكل ألبوم بعنوان “باقة من أجمل أعمال الـpop art للعام 2015 في حب سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي”، تتكلم عن تأليفها بقدر ما تتحدث عن موضوعها. فقد رُكبَت بغاية بعينها، أي إشهار الولع بالمشير المصري، الذي يظهر بأكمل جسمه أو بأجزاء منه، بثيابه المدنية أو العسكرية. ذلك، بين الزهور أو على شكلها، بين القلوب أو على هيئتها، مع الذين غالباً ما يُبجَلوا ويُعظَموا أو مع رموز الرِفعة والقوة.
إذ أن أصحاب هذه الـ”أعمال” أرادوا في تركيباتهم وتأليفاتهم الـ”فوتوشوبية” أن يحولوا ظهور السيسي إلى بروز شديد، يأخذ بعيون المتفرجين عليه، ويدفعهم إلى التعلق به. غير أن “أعمالهم”، وعلى عادة ما يجيء في أفعال الحمد والتمجيد والتوله، أتت مفرطة في كاريكاتوريتها من ناحية، ومبالغة في ركاكتها من ناحية أخرى. وبعطف الناحيتين على بعضهما البعض، من الممكن التأكد من كون الخيال المشكل لهما ليس منسحراً فحسب، بل منعدماً أيضاً.
على أن للإبتذال سُبله في تلك الصور، وأولها، الربط بين تبجيل السيسي وعناصر طبيعية وخرافية وتاريخية فاتحة وزاهية، كالوردة والقلب والملاك والأسد والعين والمجوهرات والمفرقعات والأهرامات. وثانيها، الإكثار من تلك العناصر، وتنسيقها على رداءة مرافقة لنضوب الإبتكار، لتحيط بالمشير الذي يوضع في وسطها وعليها وداخلها، أو أنه يلغيها ليأخذ مكانها، فيتكاثف كزهرة حمراء، أو يطير بجناحيه كملاك، أو يجلس كالأسد، أو يلمع بأسنانه كالألعاب النارية.
وثالت سبيل للإبتذال هو تكبير السيسي، وتفخيم موقعه في الصور، التي يحتلها بكل هرج لوني فاقع، وبكل بعثرة في قصه ولصقه فوق الرسوم والمناظر. ففي أغلب الـ”أعمال” تظل حدود صورته نافرة، على الرغم من نقلها إلى رسم آخر، أو تركيبها فوقه. فلم يسعَ الواقعون في حبه إلى محو الحواجز التي تفصله عن المحيط به، بل تركوها على حالها، ليبدو حبهم عالقاً بوجه المشير أو جسمه، وأينما وضعوه يتناسل ويبرق، وفي كل حالاته، يضحى فجاً وخالياً من أي حضور، لا سيما أن التصويرات والأطر التي نُقل إليها هي تصويرات وأطر خاوية مسبقاً.
ولا يستقيم “فوتوشوب” الحب واستعارته لتأييد الحاكم الكاريكاتوري سوى بتسجيل الكلام على صور الشغف به. فيتصاحب التركيب مع عبارات تدل على تعبّد السيسي وعلى حُسنه و إيمانه وجلالته وفخامته، وبالتالي، على كل سمة من سماته المرغوبة، والمختزلة بشخصيته الموائمة لهذا النوع من الـ”أعمال”. فيُكتب بالقرب منه: “حبيبي، عمري، حياتي”، أو إلى جانبه: “زعيم بحجم أمة”، وفي نصف صدره: “هناك شخص من شدة حبي له تمنيت لو داريته بقلبي عن العالم بأكمله وأعلن لكل من يسأل عنه أنه غير موجود. ربنا يحميه ويبارك فيه وينصره على مَن يعاديه ولا يسوني أبداً فيه، السيسي حبيبي”.
وقد يبتهل صاحب الـ”عمل” إلى ربه من أجل أن يحمي محبوبه، مثلما قد يصلي إلى محبوبه نفسه كي يحميه. هذا، وقد ينقلب تعداد الأوصاف إلى تعداد الـ”إنجازات” ومدحها: “عشت اللي أمر بحفر القنال وأمّن حدودنا وسماءنا بالرافال وقال بكم يا مصريين نهزم المحال عشت لنا يا سيسي يا زينة الرجال”.
فالصور تؤكد على جمال السيسي كعريس وعلى قوته كقائد عسكري، مثلما تبرزه، وفي كل واحدة منها، بوضعية بذاتها، أو بوضعيات متنوعة. ذلك، كأن حبه هو نسخ وتوزيع له على كل منظر أو مشهد، مثلما أنه إخفاء به لكل مرأى وملمح.
حب السيسي في العام 2015 لم يكن على علاقة بهذا العام، بحيث أن وقته “الفوتوشوبي” ينتمي إلى عصر رقمي آفل، وعلى هذا المنوال، يمكن القول أنه حب بلا تحديث، حب يريد أن ينوجد من خلال بذله لكل غثاثته. وهذا على صلة بالمحبوب نفسه، الذي كلما اشتدد الولع به، يُنتج كموضوع منسوخ في قالب غير مأهول إلا بمثله وبالإمتثال له.
ثم أن إكثاره ينطلق من فكرة سابقة على وجوده. فكرة، يحاول التركيب أن يطيح بها، لكنه، وبسبب قلة دراية أصحابه به، لا يقدر: السيسي غير موجود في أي صورة. ومهما رُفع وأنزل، وتوسط وتكاثف، سيبقى مجرد جسم مفصول في منظرٍ لا يخلب، بل يدفع إلى القهقهة. وداعي الفعل الأخير هو محاكاة الوقوع في حب شخصية تستمد وجودها من سدّ انعدامه. لكن، العدم يسِد ولا يُسَد.
ا