الحرية الجنسية في إيران بين العرف والشرع
31 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
المرأة الإيرانية لم تحصر تحررها بالجنس، بل استفادت من هامش الحرية المكتسبة بأن طورت نفسها علميًا وثقافيًا واجتماعيًا فأصبحت حاكم الظل في البلاد، وليس من قبيل المبالغة القول إن الإدارات والشركات والوظائف المتقدمة في إيران تشهد سنويا اجتياحًا نسائيًا لافتًا، علمًا أن المرأة في إيران لا يحق لها أن تصبح رئيسا للجمهورية أو الحكومة أو مجلس النواب، ولا يحق لها أن تصبح قاضيًا، وعلى الصعيد الديني لا يمكن أن تتدرج لتصبح مرجعًا، هي تصل إلى مرحلة الاجتهاد فقط، وبالتالي هي مستبعدة من المناصب الدينية أيضًا كمجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور وغيره. عدا ذلك هي موجودة ومؤثرة في كل مكان، السلطة الدينية تحاول دائما، سحب هذه الصلاحيات منها، وحبسها في مهنتين فقط الزواج والأمومة لكنها لا تنجح، وذلك يعود إلى طبيعة المرأة الايرانية، التي ورثت فنون التمرد والاعتراض.
في الميثولوجيا الإيرانية هناك تلميحات لافتة لحرية جنسية تتمتع بها المرأة الإيرانية والمجتمع يعترف بها، والدليل تناقلها بإعتزاز من جيل إلى جيل، في كتاب “الشاهنامة” للفردوسي يوجد ملحمة بطولية تروي قصة البطلين القوميين “رستم وسهراب”، ويذكر الراوي أن رستم حلّ ضيفًا على ملك “سمنجان” لليلة واحدة ووقع فورا في حب ابنته “تهمينه” واختلى بها، ثم أنجبت منه “سهراب”، فلا يمكن لشعب شرقي أن يتغنى ببطل خان مضيفه واختلى بابنته، أو أن يمجّد بطلاً آخر هو ثمرة علاقة غير شرعية، إلا الإيراني.
في ملحمة “ليلى والمجنون” النسخة الفارسية، ليلى امرأة قوية تقوم في إحدى المرات بصفع قيس احتجاجا على تهوره، شهرزاد في ألف ليلة وليلة التي يقال إنها من أصول إيرانية هي نموذج لوعي المرأة الإيرانية المتقدم لمقدراتها الأنثوية واكتشاف تأثيراتها على نفسية الرجل ذات التهويمات الايروتيكية!
على صعيد الحرية الجنسية المحمية شرعًا، زواج المتعة في إيران حاصل على إذن تشريعي من مجلس النواب، يعني هو مشرّع قانونًا وشرعًا في إيران، علما أنّ زواج المتعة حيلة شرعية متبعة في كل المجتمعات الشيعية المتدينة. فهو معتمد في النجف وكربلاء، بقدر ما هو معتمد في قم وتهران، إلا أنّ النظام الإسلامي الإيراني أعطاه حماية قانونية، أول المستفيدين منه بالطبع هم المتدينون، هم أساسًا شرعوه ليطبقوه قبل غيرهم. لكن غير المتدينين وهم الأكثر عدديًا لا يعتنون به، ولا ينتظرون السلطة كي تسمح لهم بممارسة رغباتهم.
السلطة الدينية في إيران تشجع زواج المتعة، لأنها تعرف جيدا طبيعة شعبها، في عهد الرئيس محمد خاتمي انتشر ما عرف وقتها بيوت “العفة” وهي بيوت أتاحت لأرامل الحرب ممارسة زواج المتعة بحرية، لكن هذا لم يمنع من وجود أكثر من 10 آلاف مومس في تهران وحدها. والسلطة بدت عاجزة عن احتواء هذه الظاهرة الآخذة بالانتشار طبعا.
الإيرانيون شعب حر وبلا عقد، لديهم عقدة واحدة فقط، هي النظام. فكل ما يقوله النظام وإن كان معقولا يتصرفون بعكسه، وكل ما يرفضه النظام يفعلونه نكاية به، هم ضاقوا ذرعا من أسلمة مظاهر حياتهم، من تنميط أسلوب عيشهم، وصار عندهم ردة فعل على كل ما هو إسلامي، حتى صاروا ضد الدين نفسه نكاية بالنظام. الأوضاع في إيران تشبه أوضاع أوروبا زمن تسلط الكنيسة ونشأة الشيوعية كردة فعل على تحكم السلطة الدينية بمفاصل الحياة!
بعد ما عرف بالثورة الرقمية، صار الإيراني يعبد مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لم يستخدمها لبث همومه الجنسية كما هو حاصل في بعض البلدان العربية، لا يحتاج الايراني إلى فضاء افتراضي كي يستمتع بحريته الجنسية وبعلاقته مع الجنس الآخر، هو يبتدع أسلوبه الخاص ويتصرف ضمنه بحرية لا يمكن تقييدها، وقد حول هذه المواقع إلى نافذة يطل منها على العالم، لإيصال صوته وتغيير نظرة العالم إليه، انه ليس رجل دين معممًا أو جنديا في الحرس الثوري فقط!
المصدر: جنوبية