‘سوفيكو شيفرنادزه: الأسد صغير الحجم.. بلا طاقة.. يأكل لحم الأطفال على فطوره’

31 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
13 minutes

18-12-2012

بعد عودة الصحافية سوفيكو شيفرنادزه حفيدة رئيس جورجيا المخلوع إدوارد شيفرنادزه من إقامة في دمشق استمرت أربعة أيام قابلت خلالها الأسد، استضافها برنامج (بأم عيني) الذي تقدمه الصحافية أولغا بيتشكوفا في راديو (صدى موسكو). وكانت مقابلة شيفرنادزه مع الأسد بثتها قناة (روسيا اليوم)، يوم 8 تشرين الثاني/نوفبمر. وفي خلال اللقاء الإذاعي الطويل مع سوفيكو تحدثت عن ربع الساعة التي أمضتها على انفراد مع الأسد والأسئلة الخاصة التي وجهتها إليه والانطباعات التي تركها لديها، إضافة إلى انطباعاتها عن الشعب السوري. ما يخص ربع الساعة تلك وانطباعات عن شوارع دمشق، على لسان شيفرنادزه:

بلا شخصية أو طاقة

«حين توجهت إلى هناك، منذ البداية لم أتصور أنني ذاهبة للقاء دكتاتور دموي. ذهبت للقاء إنسان اسمه بشار الأسد. وأنا وإياكِ، يا أولغا، تحدثنا قبل سفري عن الأمر وقلتِ لي شيئاً صحيحاً، قلتِ: «يخيل إلي إنها مأساة كبيرة جداً لرجل ضعيف». وكان ذلك صحيحاً مئة بالمئة».

«كان لدي ربع ساعة لحديث ثنائي معه في مكتب مستقل قبل اللقاء. وتبين حين رأيته بأم عيني أنه أصغر حجماً بكثير مما تصورت ونحيل جداً.. وهو يسير متهدل الكتفين. قالوا لي إنه نحل كثيراً في الأشهر الستة الأخيرة. وذلك غير مستغرب”. و«هو شخص ودي جداً، ومستوى اهتمام محيطه بتأمين راحته مذهل، فهم يفعلون كل شيء من أجل أن لا يقلق ويكون شعوره طيباً. قالوا لي: رئيسنا بسيط جداً ولا يريد أي شيء استثنائي». «طبعاً هو شخص لا يعطي انطباعاً بأنه يتناول على فطوره لحم الأطفال، وحتى على مستوى الطاقة، فحين تلتقين، مثلاً، مع بوتين، فهو يبتلعك تماماً بطاقته، ويصعب عليكِِ أن تمزحي أو تتذاكي أو تقولي شيئاً ما أو تثيري مسألة خاصة.. كثيرون يفشلون في ذلك. أما عند الأسد فليس هناك أية طاقة من تلك التي يملكها دكتاتور أو زعيم. فأنا لم أشعر بها.. بل كان لدي شعور كأنني أتواصل مع صديق قديم من أيام الدراسة». تسألها أولغا في سياق حديثها عن سؤال بشار لها عن جدها شيفرنادزه الرئيس المخلوع: وهل حكيتِ له تلك القصة المعبّرة، قصة تركه السلطة حقناً للدماء؟، فتجيب: «أظن أن الأمر بات متأخراً بالنسبة لحالته، ولذلك لم أشأ أن أضغط على مواجعه… ولكنني سألته: هل حقاً أنك لم تكن تريد أن تصبح رئيساً؟ قال نعم، ولكنه لم يقلها بصيغة الندم أو الشكوى إنما بصيغة هكذا شاء القدر. قال ببساطة: لم أرد أن أصير رئيساً. فأن أكون رئيساً وأبقى في السلطة لا يعنيني في شيء.. بهذا المعنى كان كلامه. وقال: أنا أعشق الحياة وأحب الرياضة جداً ولدي زوجة رائعة أحبها كثيراً وأولاد صغار. وكان بإمكاني إما أن أسافر أو أن أبقى وأعمل بأوامر الزعماء الأوروبيين لو كان هدفي البقاء في السلطة. ولكنه سرعان ما بدأ يعرض ديماغوجيته: أنا هنا لأنها مسألة مبدأ، ولأنني لست دمية.. لم أستطع سؤاله: هل أجبروك على أن تصير رئيساً؟ ولكنه قال العبارة التالية: لم أرد أن أصبح رئيساً.. وبعد توقف: لدي اهتمامات كثيرة في الحياة». وهنا سألتها أولغا: ولكن لا مفر له الآن إلى أي مكان؟ فأجابت سوفيكو: «في جميع الأحوال لا. ولدي إحساس خاص بأنه لم يكن لديه خيار منذ البداية في أن يصير رئيساً أو أن يبقى طبيباً، كما لا خيار لديه الآن في أن يبقى أو يرحل… بل أظن أنه حتى لو أراد الرحيل فلا يستطيع.. هناك من يقول بأنه حاول عدة مرات أن يترك لكن محيطه لم يسمح له». فتستدرك أولغا: ولكنه في الوقت نفسه لا يملك القدرة على توجيه الأمور إلى منحى آخر وإخضاعها لقراره. فتكمل سوفيكو: «من الواضح أنه ليس حافظ الأسد، ولو أنه كان من البداية إنساناً قوياً لما وافق على أن يصير رئيساً على الأرجح». تقاطعها أولغا: لو كان رئيساً آخر، كان حل الأزمة بطريقة أخرى. فتجيبها سوفيكو: «هناك من يقول إنه بالفعل حاول القيام بإصلاحات. ولكن كان واضحاً للعيان أنها لم تكن كافية إطلاقاً بالنسبة للسوريين. فهم خرجوا إلى الشارع منذ البداية لأنهم أرادوا حريات أكبر ولأن عائلة الأسد بقيت في السلطة أكثر مما يُحتمل. وأما ما جرى بعد البداية فشيء آخر، وهو أمر لا يرضي أحداً».

عرس تحت القصف

«ما أدهشني أكثر من أي شيء آخر هو أن السوريين ناس رائعون.. متعلمون جداً، رقيقون، لطيفون، ومسالمون للغاية، وهم بالمطلق ليسوا أصوليين ولا متعصبين للإسلام. وهم بشر اعتادوا على العيش على اختلافاتهم الدينية جنباً إلى جنب… سورية عموماً ليست بلداً للأصولية.. والسوريون شعب محب جداً للحياة.. وهم يعيشون هذا الكابوس الذي لم يختاروه من حيث المبدأ ويتابعون حياتهم كأن شيئاً لا يحدث.. تنظرين إلى هذه الحال فتحدث لديك هزة معرفية.. يصعب فهم ذلك… حين عجزت عن أن أغفو تحت القصف، نزلت لأجترع مائة غرام ويسكي على أمل أن تساعدني على النوم، وإذا بي مع أصوات الانفجارات أرى في الممر عروساً بهية في فستان أبيض جميل مع عريس جميل مذهل وهما يعيشان عرسهما بفرح كبير. وهذه مشاهد ترينها في كل خطوة… فمثلاً في اليوم الثاني لوجودي هناك خرجت إلى المدينة وسرت في الحي حيث الجامع الشهير وعرجت على الدكاكين وإذا بأطفال جميلين جداً تلاميذ في المرحلة الابتدائية يخرجون مع انتهاء دوامهم في مدرسة حكومية في قمصان زرقاء سماوية. أطفال جمالهم مذهل، عيونهم واسعة، فرحون، طيبون، يندفعون للتواصل. بدأت بتصويرهم فيما راحت تفيض بهم أزقة دمشق القديمة، وفي هذا الوقت عرفت أن أطفالاً صغاراً مثلهم في حي مجاور مات منهم اثنا عشر في عملية تفجير». «أعلم تماماً أن زوجة الرئيس وأطفاله في دمشق ولم يهربوا إلى أي مكان».

تجربة مع باربرا والترز

«كانت الصحافية باربرا والترز أجرت مقابلة مع الأسد لقناة АВС. وحدثت مشكلة جوهرها التالي: كانت باربرا أول صحافية غربية تجري لقاءً مع الأسد. وكان اللقاء بلا شروط أو قيود. كان ذلك في شباط/ فبراير الماضي.. استقبلتها إدارة القصر وسجلت قرابة ساعة ونصف مع الرئيس، وأمضت وقتاً معه، وكان انطباعها عنه رائعاً كما يقولون، على ما هي قالته لهم. وقد وعدتْ ببث المادة التي صورتها دون مَنْتَجة بحيث لا يشوّه الرئيس ولا حديثه. وكما تبين لهم ففي الأربعين دقيقة التي بثتها كانت عديمة الضمير وغير صادقة في تقديم صورة عنه. وهذا ما أقلقهم جداً. لقد شعروا بأنها خانتهم». تقاطعها أولغا: وما الذي أرادوه منها.. أن تقيم له نصباً؟ فتجيب سوفيكو: «لا. بل أرادوا أن تعرض ما تم تسجيله بلا مونتاج، دون قص.. وبعد ذلك اللقاء صاروا يوقعون عقوداً. فأي صحافي يريد لقاء الأسد عليه توقيع عقد من نقاط كثيرة جداً… وهكذا وقعنا عقداً لتصوير ست وعشرين دقيقة، وتم تصوير ست وعشرين دقيقة بالضبط، بحيث لم تتم منتجتها، تم التصوير بكاميرات سورية.. وكان لدي تخوّف من أن يقصّوا شيئاً مما تم تصويره.. لكنهم وفوا بما عاهدوا عليه».

كمثل مريض السرطان

أحد العاملين في الراديو يسأل: هل تشكل لديك شعور بأن أيام الأسد باتت معدودة؟ تجيب سوفيكو: «أظن أن أحداً لا يعرف ذلك. الأسد يدرك تماماً أنّه يواجه مصيره، فهو كمريض السرطان، إما ينتصر على مرضه أو يموت. لا خيار ثالث. وأما النظر في الرحيل إلى مكان ما، فليس أمامه مكان يذهب إليه إلاّ إيران. ولا ضمانه من أنهم لن يقصفوه هناك بعد ستة أشهر. ولذلك فهو ليس بصدد الذهاب إلى أي مكان. على أية حال، هذا ما بدا لي، وهو سيجرّ عائلته إلى الموت معه، إذا مات هناك… ولكن المشكلة في شيء آخر.. لقد تحدثت مع كثيرين ممن لا يعملون في إدارته، مع عاملين في المطاعم وسائقين وبائعين يعيشون في دمشق، ولا أستطيع قول شيء عن حلب وحمص لأنني لم أكن هناك.. وهم يقولون إن كثيرين جداً لم يكونوا راضين عن حكم الأسد وإن ما يحدث اليوم يحدث لأن الناس خرجوا محتجين على الأسد مطالبين بالإصلاحات وبتغيير النظام ولأن عائلة الأسد تحكم منذ مدة طويلة.. ولكن ما راح يحدث بعد ذلك لم ينتظره أحد. وهذا بالنسبة لهم كارثة كبيرة وأسوأ مما كان عليه الوضع مع الأسد. لأن من الواضح أن كثيراً من الأصوليين يحاربون اليوم إلى جانب المتمردين، وكثيرون يقولون لم يعد لبقاء الأسد أو رحيله معنى، لأن هذا الرعب سوف يستمر. فالأصوليون، إلى جانب رغبتهم في القتل وإسقاط الأسد يريدون – حسب تعبيرهم- أن تعتنق سورية الإسلام بالشكل الذي يؤمنون به. ويقول كثيرون إن تمويلهم لا سابق له. ولا أستطيع تصور كيف يمكن للأسد أن ينتصر عليهم، لأن الأسد ليس لديه أنصار». تستدرك أولغا: هو قال في لقائك معه إن كل شيء ضده؟ فتكمل سوفيكو: «الواقع على الشكل التالي: لدى الأسد جيش ولكن، لا يمكن القول إنه جيش لا ينضب، فلديه عدد محدود من الجنود. ومن جهة أخرى هناك كثير من المتمردين وتمويل كبير جداً». وهنا يسألها أحد المستمعين: هل ولّد الأسد، الذي صار رئيساً خارج إرادته ووجد نفسه في هذه الحالة، شعوراً بالعطف لديك؟، فتجيبه: «بل أشعر بالأسف على السوريين، فأنا للمرة الأولى أنظر إلى الحرب وإلى العجز البشري أمام ظروف الحياة.. أشعر بأسف غير معقول على حال أولئك الناس الذين وجدوا أنفسهم خارج إرادتهم في هذا الواقع الكابوسي. وبصرف النظر عن إرادتهم فهم يعيشون هنا ويموتون هنا، ولا مفر لهم إلى أي مكان. وهم ليسوا واحداً أو اثنين، إنهم أمة كاملة، شعب كامل، وهذا ما ترك لدي انطباعاً يصعب وصفه. كم أنا آسفة لحال الشعب السوري. شعب جميل جداً. هم أناس مرحون ومحبون للحياة. أناس يعيشون في قلب هذا الكابوس بكرامة وإباء. الأمر الذي يدفعك إلى مزيد من الأسف… إنهم يحاولون عيش الحياة بصورة طبيعية في الحدود الممكنة. مع أن ذلك أمر صعب التحقيق».

فصام

«سألت الأسد هل يؤمن بالله؟ وهل هو شخص متدين؟ فقال لي: أنا لست متديناً، وأنا أؤمن بالعلم، مع أنني أفهم أن العلم لا يتضارب مع الإيمان، وأن كثيرين ممن يمارسون العلم يؤمنون بوجود الله.. وتابع: ولكنني أظن أنّه ليس أمراً حتمياً أن تؤمن بالله لكي تتمتع بأخلاق فاضلة. بل أظن إما يكون عندك إنسانية أو لا يكون. وأظن أن الذين يفجّرون الناس باسم الله لا يؤمنون بالله. هذه جملته».

ينتصر أو يموت

«ومع أنني أظن أنه من الصعب جداً أن تكون واثقاً من نفسك في مثل حالته، إلا أنني لم ألاحظ عنده أي علامات ذعر، بل أظن أنه يدرك أنه يواجه مصيره وقد تصالح مع ذلك.. مع أنه على الأرجح في أعماق روحه لديه أمل بأن ينتصر، بأن يتغير شيء ما في اللحظة الأخيرة، وإلا فكيف يمكن العيش؟ لم أر عنده ذعراً، ولا ندماً ولا أسى. فقد تصالح مع الحالة: إما يموت وإما ينتصر ويعيش بهدوء».