‘لؤي أبا زيد : هل كان الشهيد ناجي الجرف يمتلك اسرار خطيرة فقتله النظام وليس داعش’

31 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2015
6 minutes

لؤي أبازيد تأخرت كثيراً في رثاء الصّحفي ناجي الجرف ، الذي طالته يد الغدر برصاصة بالجبين أطلقت في وضح النهار من مسدّس كاتم للصوت في مدينة غازي عينتاب التركية ، المدينة التي يقطنها عددٌ كبير من المثقفين والصحفيين السوريين نسبةً لقربها من الحدود السورية .   لا أعرف الصّحفي لا من قريب ولا من بعيد ، ولم نكن صديقان حتّى على مواقع التواصل الإجتماعي ، لم يسمع باسمي من قبل كما لم أسمع باسمه قبل حادثة إغتياله التي أشغلت السوريين جميعاً .   إندهشت من شدّة محبة السوريين له ، لم أعهد إجماع للشعب السوري –الذي لا يُجمع على شيء– كما رأيته مجتمع على رثائه ، بدأ الأمر بتناقل آنباء غير مؤكدة عن مقتل ناجي ، ثم ما لبث أن تأكدت الأنباء ليصبح اسمه على كل لسان وصوره في كل مكان لا سيما على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك .   تأخرت كثيراً في رثائه ، لا أدري لماذا .. ربما لأنني لا أعرفه ، لكن كثيراً ممن لم يعرفوه من قبل أقدموا على رثائه فقط لأنهم شاهدوا هذا السيل السوري العظيم المفجوع بإغتياله ، فرثوه دونما أدنى معرفة .   ناجي ، رئيس تحرير مجلّة “حنطة” التي أيضاً لم أعرفها من قبل –ليس في ذلك تقليل من شأنها أو من شأن رئيس تحريرها – فربما لتقصير مني ، قُتل قبل مجيئه إلى فرنسا بيوم واحد ، فمن الذي قتله ؟!   للإجابة على هذا السؤال ، سنبدأ بداية بالمجرم الذي أشار الجميع أصابع الإتهام إليه التنظيم الإرهابي الغني عن التعريف “داعش” ، جرائمه لا تُعد ولا تحصى ولا سيما تلك التي يتشابه بها مع نظام الأسد كما لو أنهما توأمان ، فكليهما مغرمٌ بقتل أشخاص مدنيين وكليهما أقدما على قتل ناشطين وصحفيين ودعاة سلام وآخرين مطالبين بالدولة المدنية والديمقراطية والحرية والمساواة ، فداعش تعتبر ما سبق كفراً بواح والنظام يعتبره عمالة للخارج وخيانة للوطن !   لكن السؤال هاهنا ، هل تخشى داعش حقاً فكرة وصول ” ناجي ” إلى فرنسا لهذا الحد ، حتى تقوم بقتله قبل يوم واحد من سفره ، وإن كانت تخشى وصوله فما الذي تخشاه ؟!   هل تخشى داعش أن يصل “ناجي” إلى بر الأمان ، ويخبر العالم هناك بأن داعش تنظيم إرهابي فيُفتضح أمرها ؟ أم أنها تخشى أن يفرض العالم عليها حفنة من العقوبات بعدما يخبرهم ” ناجي” عن بعض جرائمها التي عاينها من قبل ؟ أم أنها تخشى أن ييكون بيد “ناجي” ملف يوثق تجارتها للنفط مع بعض دول الجوار فيفتضح أمرها سيما وأنّ العالم كان قد أمرها بعدم بيع النفط لتلك الدول “الإرهابية” التي يشن التحالف عليها غارات جوية صباح مساء !   من قتل ناجي ، يخشى وصوله إلى فرنسا لسبب أجهله وأنتم تجهلوه ، لكنه إطلاقاً ليس واحداً من الأسباب السّابقة .   ترى ماذا الحديث الذي دار بين ” ناجي ” وبين موظّف السفارة الفرنسية في تركيا قبيل أن يمنح “ناجي” تأشيرة الدخول تلك ، أنا صحفي سوري قدمت كعشرات من الصحفيين السوريين إلى فرنسا عبر سفاراتها في دول الجوار ، وقبل أن أُمنح تلك التأشيرة دار حديثٌ بيني وبين موظف السفارة الفرنسية في عمّان استمر لنحو أربع ساعات ، عرف فيها كل شاردة وواردة في حياتي وهذا ما جرى بالضبط مع “ناجي” وغيره قُبيل منحهم تأشيرة الدخول إلى فرنسا .   ما هو الملف الحساس الذي إمتلكه ” ناجي ” وأدّى لإغتياله ، لم نشهد على مر خمس سنوات مضت من الثورة السورية عملية إغتيال مشابهة ، ثم إن بصمات داعش غير موجودة على تلك العملية فمثلاً الأمر لم يتم بتفجير إنتحاري ولا بعبوة ناسفة بل بكاتم صوت ، البعض أرادنا أن نصدق –حساب على فيسبوك– تبنّى الجريمة ، إلا أنه حتى في هذه معروف عن داعش أنها تنشط أكثر ما تنشط على تويتر لا على فيسبوك .   لم نسمع من قبل عن عملية إغتيال أو خطف قامت بها داعش داخل تركيا لرجل سوري ، لكننا سمعنا عن إختطاف ” الهرموش” مثلاً أول المنشقين عن جيش النظام ، والذي إختطفته المخابرات السورية من تركيا ، ليلقى مصيراً مجهولاً في سجون سوريا .   رمزية “الهرموش” دفعت المخابرات السورية لإختطافه ، لكن ما رمزية ” ناجي” بالنسبة لذات النظام ، بالحقيقة لا أجد أية رمزيه له ، ولا لعشرات من الصحفيين الذين يقطنون اليوم مدينة غازي عينتاب التركية ، فالإعلام آخر هم نظام الأسد الذي يقتل الشعب أثناء البث “المباشر” دونما أدنى خجل .   بالنهاية ، أنا مجرد صحفي ولست محقق ، ومقالتي هذا ليست لتبرأة أحد على حساب أحد بقدر ما هي دعوة لأصدقاء “ناجي” للتفكر أكثر والبحث عن الجاني بتجرد أكثر ، فسنوات الثورة الماضية علمتنا كيف بإمكان الشمس أن تختبئ خلف الغربال ، وكيف لدولة “صديقة” أن تكون أفعى من تحت الماء .   راجعت صفحة الفقيد ” ناجي ” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ، فلفت نظري أن شعار ” الدم بالدم ” مقدّساً لديه ، ورغم موافقتي التامة لشعارك يا ناجي ، إلا أنني أقول لك الآن : ” الدم بالنفط ” يا ناجي ، ما كان عليك أن تعرف أكثر مما ينبغي ، أين وضعت أوراقك وآماناتك ؟ لروحك السلام