مايكل ماكفول يكتب: هل واردٌ أن نرى تعاوناً أميركياً روسياً في سورية؟



مايكل ماكفول

كان القرار الذي اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين بالتدخل في سورية نقطة تحول رئيسة في السياسة الخارجية الروسية في عام 2015، فعلى مدى خمس عشرة سنة مضت اعتمد بوتين بشكل متزايد على استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه الداخلية وأهداف السياسة الخارجية، بدءاً بغزو الشيشان عام 1999، ثم جورجيا عام 2006، ثم أوكرانيا عام 2014، وكانت مناورة بوتين في ما يتصل بسورية الخطوة المنطقية التالية، وإن كانت دراماتيكية في السياسة الخارجية الروسية التي اتسمت بالعدوانية المتزايدة.
بيد أن التدخل في سورية يفترض أن يكون مختلفاً عن هذه التدخلات السابقة، ففي حين خلصت حسابات بوتين إلى أن أغلب بلدان العالم ستدين تصرفاته العسكرية في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا، فإنه يأمل في الحصول على التضامن والدعم من المجتمع الدولي لتصرفاته في سورية.
يشير المعلقون المؤيدون للكرملين إلى الرحلة التي قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري إلى موسكو باعتبارها دليلاً على أن التدخل العسكري لمحاربة الإرهاب في سورية أنهى عزلة روسيا الدولية، وعمل على توليد احترام جديد لموقفها كقوة عالمية مسؤولة، ويزعم أصحاب هذه الحجة أن روسيا عادت لأن العالم يحتاج إليها.
الواقع أن مثل هذه الاستنتاجات سابقة لأوانها، ففي الأمد البعيد من الممكن أن تصبح روسيا شريكاً في المعركة العالمية ضد الإرهاب، ومن حيث المبدأ ينبغي للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والبلدان في مختلف أنحاء العالم، أن ترحب بالتعاون الروسي في هذه المهمة، أما في الممارسة العملية فلابد أولاً من حل العديد من القضايا الرئيسة القريبة الأمد قبل أن يصبح في الإمكان تحقيق هدف التعاون مع روسيا في الأمد البعيد.
فأولاً، يتعين على روسيا، التي تدخلت للدفاع عن عميلها القديم الرئيس بشار الأسد، أن تكف عن قصف قوات المعارضة السورية التي تدعمها الولايات المتحدة وتحالفها، وأن تبدأ بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ففي الأسابيع الأولى من حملة القصف الروسية، كانت الاستراتيجية واضحة: القضاء على كل الأطراف الثلاثة في الحرب الأهلية، وبالتالي إرغام العالم على الاختيار بين أهون الشرين، الأسد أو “داعش”.
وأخيراً بدأت القاذفات الروسية تهاجم بضعة أهداف لتنظيم “داعش”، لكن حملة الكرملين الجوية لا تزال تركز على قوات جماعات المعارضة الأخرى، ولكي تكون روسيا شريكاً للغرب يتعين عليها أن تغير أهداف قصفها جذرياً وبشكل دائم.
وثانياً، ينبغي لبوتين أن يشارك بشكل أكثر جدية في الجهود الدولية الرامية إلى إطلاق عملية الانتقال السياسي في سورية، ومن غير الممكن أن يبقى الأسد في السلطة، فهو يخدم في دور انتقالي مؤقت، كما فعل بعض الحكام المستبدين في عمليات انتقالية أخرى من الحكم الاستبدادي، لكنه من غير الممكن أن يظل في السلطة لسبب بسيط مفاده أن وجوده لن يؤدي إلا إلى الدفع بالمزيد من المتطوعين إلى أحضان “داعش”.
لقد قتل نظام الأسد في سورية عدداً من الناس أكبر من كل الذين قتلتهم الجماعات الأخرى مجتمعة، وهو نادراً ما يهاجم الإرهابيين المنتمين إلى “داعش”، ويركز جهوده العسكرية بدلاً من ذلك على غيرهم من المتمردين، وهو لهذا السبب ليس حليفاً مفيداً في مكافحة الإرهاب.
وعلاوة على ذلك، كانت الغالبية العظمى من ضحايا العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة السورية من المدنيين لا الإرهابيين، فوفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان قتل الأسد 181577 ألف مدني في الفترة من مارس 2011 إلى نوفمبر 2015، في حين قتل تنظيم داعش 1777 مدنياً في الفترة نفسها، وإذا كان الهدف في سورية وقف الحرب الأهلية، فمن الواضح أنه من غير الممكن أن يتصور أحد الأسد صانع سلام.
وكدليل على نفوذ روسيا لدى النظام، يتعين على بوتين أن يضغط أولاً على الأسد لحمله على الكف عن قتل المدنيين، وإذا لم يكن بوسعه تحقيق هذا الهدف، فلا سبب يجعلنا نعتقد أنه قادر على تقديم الأسد أو جنرالاته إلى طاولة المفاوضات.
وثالثاً، يتعين على روسيا أن تغير أساليب القصف، ذلك أن عدد القتلى بين المدنيين كبير، ويعمل هذا النوع من الهجمات التي تشنها روسيا على توليد المزيد من المواد المصورة التي تغذي القنوات الجهادية على “يوتيوب”، وهو ما يريده تنظيم “داعش” على وجه التحديد.
ورابعاً، يتعين على وسائل الإعلام الروسية أن تكف عن اتهام الولايات المتحدة بدعم تنظيم “داعش”، فكيف توحد الولايات المتحدة قواها مع دولة تنشر مثل هذه الادعاءات الكاذبة وتصور أميركا وكأنها العدو؟
خامساً، لابد أن يعمل بوتين على وقف تدفق المقاتلين من روسيا إلى سورية، فحتى التقديرات الروسية تشير إلى أن نحو 2400 مواطن روسي انضموا إلى “داعش” بحلول سبتمبر 2015.
وأخيراً، يتعين على روسيا إذا كانت راغبة في التحول إلى شريك مفيد أن تتوقف عن توقع التنازلات من الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، فمثل هذا الربط لن ينجح أبداً.
ولتمكين التعاون مع روسيا يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أيضاً أن يعملوا على إجراء بعض التعديلات، فضلاً عن بذل بعض الالتزامات، فأولاً: لا ينبغي إرغام جماعات المعارضة المعتدلة التي تتلقى المال والأسلحة من الولايات المتحدة على الاكتفاء بمحاربة تنظيم “داعش”، بل ينبغي لها أن تكون قادرة على تحديد استراتيجياتها العسكرية بنفسها، بما في ذلك التركيز على محاربة قوات الأسد كوسيلة للضغط على النظام لحمله على التفاوض، ولا يجوز لنا أن نتوقع من هذه الجماعات أن تحارب “داعش” في حين يهاجمها الأسد.
ثانياً: يتعين على المسؤولين الأميركيين أن يمارسوا الضغوط على الكرملين لحمله على التعامل بجدية مع عملية الانتقال السياسي التي تشمل في نهاية المطاف إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ومن غير الممكن أن تستسلم الولايات المتحدة وبقية العالم لإغراء الاعتقاد في الوعد الزائف بالاستقرار الاستبدادي، فلم تنتج دكتاتورية الأسد سوى الموت وتشريد البشر وعدم الاستقرار على مدى السنوات الأربع الأخيرة، وليس هناك سبب واحد يجعلنا نتوقع أن يتمكن نظامه من إنتاج الاستقرار في المستقبل.
وثالثاً: ينبغي للقادة الأميركيين أن يدركوا تمام الإدراك ضرورة الفصل بين دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا والتعاون مع روسيا في سورية، فمن المؤكد أن إرسال إشارات ملتبسة لن يخدم أي غرض.
وأخيراً: يتعين على قادة الولايات المتحدة أن يتبنوا نظرة واقعية للاحتمالات الضعيفة للتعاون الناجح، فلم تغير حملة القصف الروسية الكثير على الأرض، وتعهدات روسيا بدعم الانتقال السياسي ليست جديدة، فقد انتهت جولتان سابقتان من جهود صنع السلام بمشاركة روسيا (جنيف 1، وجنيف 2) إلى الفشل.
في العام المقبل ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى عقد تحالف مع روسيا لإلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش”؛ ولكن من الواجب عليها أن تفعل هذا بعيداً عن أي أوهام بشأن احتمالات النجاح، ومع وضع تكاليف الفشل في الحسبان.

* سفير الولايات المتحدة إلى الاتحاد الروسي في الفترة بين 2012 و2014، وأستاذ العلوم السياسية وزميل مؤسسة هوفر، ومدير معهد فريمان سبوجلي في جامعة ستانفورد

المصدر: الجريدة

أخبار سوريا ميكرو سيريا