«تنجيم» سياسي للعام الجديد: مزيد من الجنون؟


01qpt999

فيما العالم يودّع السنة الآفلة على طريقته المعتادة من الاحتشاد في الساحات العامّة وإطلاق الألعاب الناريّة والسهر في أماكن الغناء والرقص كانت شعوب عديدة في العالم العربي مستمرّة في معاناتها من أعراض الاحتلال والاستبداد والفساد والفقر، ومساعيها في التعامل مع كل ذلك بالطريقتين اللتين اعتاد عليهما الإنسان منذ قدم الزمان: المواجهة (والتي أدّت بسبب شراسة الاحتلال والطغم الحاكمة إلى حروب عنيفة مديدة وقاسية)، أو الهرب، وهو ما أدّى إلى موجة عالمية غير مسبوقة من اللجوء.
وفي هذه السنة الجديدة التي بدأت ساعتها تدقّ مع انتهاء الساعة الثانية عشرة أمس يفتح العربيّ عينيه على العالم ويرى مخالب ومسننّات أطراف لا عدّ لها ولا حصر تنشب في جسده الحيّ ويحاول تبيّن طريقه: المواطن الفلسطينيّ يراه عبر أنفاق غزة التي اشتغلت إسرائيل ومصر على دفنه فيها، ومعبر رفح المغلق أغلب أيام السنة، كما يراه في مرور 99 عاماً على وعد بلفور الذي يعتبر رمزاً لتآمر العالم ضده.
هل يرى الفلسطيني في عام 2016 تسوية حقيقية تعبّر عنها حكومة وطنية جامعة قادرة على الوقوف أمام الجبروت الإسرائيلي؟ على الأغلب أننا لن نرى ذلك بسبب استعصاء اشتغال الآلية الذاتية الفلسطينية من دون تغطية عربية وإقليمية وعالمية، ومن دون ذلك، كما يقول العرب، خرط القتاد!
يرى المواطن السوري سنته الجارية من خلال طيران عشرات القاصفات في أجوائه، وأكثر منها من الرايات المتحاربة على أرضه، وفي قرار أممي غامض يتحدث عن وقف لإطلاق نار من دون أن يحدد من سيوقف إطلاق النار هذا، وعن مفاوضات لمرحلة انتقالية من دون أن يفرض خروج رأس النظام المتسبب بمقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين، وقد عبّر السوريون فعلياً عن مدى إحساسهم بقدرة هذا القرار على حل قضيتهم من خلال استمرار موجة اللجوء الهائلة من بلادهم، والبلدان المجاورة، باتجاه أوروبا وبلدان المعمورة الأخرى.
وفي العراق واليمن وليبيا تستمرّ حروب أهلية مختلطة بمصالح عالمية وإقليمية وطائفية وقبائلية، فيما ترعى الأمم المتحدة والدول العظمى مشاريع تسويات تبدو الحالة الليبية أقربها للتحقق، فهي بلد لا يبدي الروس والإيرانيون رغبة في التورّط فيه، ولعلّ ذلك ما يجعل المستحيل قابلاً للتحقق، ويوسّع اتجاه خط التسويات التي جعلتها تونس ـ من خلال ائتلاف «النهضة» و»النداء» الحكومي ـ والمغرب – من خلال تولّي حزب إسلاميّ معتدل للحكومة ـ أمراً ممكناً.
أما في مصر، التي تعاني حرباً أهلية سياسية، بعد حرب إقصاء الإخوان عن السلطة، ومطاردة المعارضين لنظام الحكم عموماً، وتواجه مصاعب أمنية كبرى، فلا يدري مواطنها، ولا نخبتها، أين ستأخذه رياح الصراع بين العسكر والإسلاميين. لا يتوقّع المصري أن تتوقف قوى العالم عن محاولات الاستثمار في المأزق المصري، ولذلك فمن دون خروج النخب السياسية المدنية من خطيئتها المتمثلة بتحريض العسكر على الانقلاب على المؤسسات المنتخبة، لا يمكن للمصريين أن يخرجوا، بدورهم، من هذا الاستعصاء الدمويّ.
على مستوى العالم، وخلال عام تقريباً ستتحدد المواجهة بين مرشحي الديمقراطيين والجمهوريين الأمريكيين، فإذا شهدنا فوزاً مؤزراً لدونالد ترامب، فسيكون ذلك شبيهاً بفترة فوز رونالد ريغان (ولا ننسى أيضاً مدير مكتبه الفظيع آنذاك، دونالد ريغان) التي اختلط فيها التهريج والكذب والتنجيم (كان ريغان يستعين بمنجمين في قراراته) برفع ميزانيات الدفاع الأمريكية و«حرب النجوم» وفضيحة «الكونترا ـ إيران».
وبما أن «الديمقراطية» على الطريقتين الروسيّة والصينية لن تغيّر الرؤساء والحكام هناك، فمن المتوقع أن تزداد القيادة الصينية تصلبّا داخليا و«براغماتية» خارجية، فيما تزداد شراسة «القيصر» فلاديمير بوتين الذي يدخل عامه السادس عشر في السلطة (مثل حليفه بشار الأسد).
في برنامج تلفزيوني كوميدي التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً قال إن «نسبة كبيرة من زعماء العالم فقدوا عقولهم»، ولعلّ هذه الجملة ستكون الأنسب كقاعدة لـ«التنجيم السياسي» لهذا العام.