التقرير البريطاني يفتح أعين أوروبا على أذرع الأخطبوط الإخواني


مختار الدبابي

ما يثير قلق الإخوان من التقرير أنه قد يقود إلى فتح أعين دول أوروبية عدة عن الشبكات المترابطة للجماعة في أوروبا والولايات المتحدة وإثبات وجود علاقة تنظيمية بينها وبين التنظيم الدولي للإخوان.

وقفت ردود الفعل العربية على التقرير البريطاني بشأن الإخوان عند حدود القراءة السياسية الآنية بين من يقول إن التقرير قطع نصف الطريق نحو حظر الإخوان والترتيب لتصنيفهم جماعة متطرفة، وبين من اعتبره نتاجا لضغوط خليجية على حكومة ديفيد كاميرون الذي صار يتخوف من أن تلجأ دول الخليج إلى رفع ورقة الاستثمار والصفقات في وجهه.

لكنّ للتقرير البريطاني وجها آخر لم يتم تضمينه في الملخّص المعروض، وهو أنه سيكون الأرضية التي ستنطلق منها بريطانيا وأوروبا عامة في الإجابة عن سؤال ماذا لو قرر الأخطبوط الإخواني في بريطانيا وأوروبا أن يمارس العنف مستقبلا؟

فالتقرير يضع أسس مواجهة جماعة الإخوان في سياق الحرب على الإرهاب التي تخوضها بريطانيا وأوروبا مع الشبكات الجهادية المتشددة، وهو ما كشفت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية فرح دخل الله، حين قالت إن الاستنتاجات التي نشرت هدفها محاولة فهم جماعة الإخوان وأفكارها ونشاطها، وإن الحكومة البريطانية تسعى للاستناد على هذا التقرير في بناء سياستها إزاء هذه الجماعة.

وهذا يعني أن التقرير لم تتم صياغته إرضاء لأيّ عاصمة خليجية، كما يسعى لإبرازه الإعلام الموالي للجماعة، وإنما هو لبنة أولى في “استراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف”، كما قالت دخل الله.

وجاء توقيت إعلان التقرير متزامنا مع حالة استنفار قصوى لأوروبا بسبب المخاوف من تفجيرات إرهابية قد تنفذها خلايا تابعة لتنظيم داعش، ووسط دعوات واسعة لإعادة النظر في مساحة الحرية الممنوحة للجماعات المتشددة التي استفادت من التساهل الأوروبي في مرحلة التكوين والانتشار ثم المرور إلى العنف سواء أكان في الخارج أو الداخل.

والرسالة التي تضمّنها التقرير تقول إن عيون العواصم الغربية لن تغفل مستقبلا عن مراقبة أيّ جهة يمكن أن تلجأ إلى العنف بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات الكثيرة المرتبطة بها، والتي تعلن أنها تلتزم بالقانون وبالسلمية لكن أدبيّاتها تقول عكس ذلك، وهو ما أشار إليه ملخص التقرير البريطاني.

ولا شك أن أعضاء فريق السفير جين جينكينز، الذين أعدوا التقرير، لم يكشفوا عن النتائج الكاملة التي توصلوا إليها، وخاصة ما تعلق بخطط مراقبة الشبكات المرتبطة بالجماعة، وأن التقرير الذي جاء ضبابيا عمل على عدم إثارة انتباه تلك الشبكات حتى تسهل مراقبتها.

وقد نقلت صحيفة التلغراف في سبتمبر 2014 عن مسؤول بريطاني كبير قوله إن “أجزاء من التقرير حساسة للغاية فلا يمكن نشرها”، مضيفًا أن “التقرير يعطي نظرة شاملة للغاية عن أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في كثير من البلدان، وثمة تقارير أُعطيت لنا حساسة للغاية، ولا يمكننا أن نعود مجددًا إلى تلك الأماكن (المصادر) إذا أعلن بعض من هذه المعلومات على الملأ”، في إشارة إلى خسارة تلك المصادر حال نشر هذه المعلومات.

قد يحقق إعلان بريطانيا الإخوان تنظيما إرهابيا مكاسب سياسية حينية لدول شرق أوسطية، لكنه قد يفتح أعين الجماعة لتعيد ترتيب نفسها وتنكمش إلى السرية التي تتقنها بشكل كامل، وقد يسمح لها بتفويت الفرصة على الجهات الأمنية المتعددة التي تراقبها.

وإذا انكمش الأخطبوط الإخواني على نفسه وازداد تطرفا وانغلاقا فلا أحد سيدري متى ينطلق في المواجهة الدامية مع الحكومات الغربية، مثلما حصل في مصر خلال فترة حكم جمال عبدالناصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

ومن الواضح أن معدّي التقرير سعوا إلى التخفيف من محامله الاستراتيجية، وعملوا أكثر ما يمكن على الإيحاء بأن تحذيرهم من أن الانتماء للإخوان مؤشر على التطرف، هدفه تأكيد أن بريطانيا تتابع أنشطة الجماعة وليست غافلة عنها، وكأن الأمر يتعلق بتسجيل موقف وليس إعلان بدء المواجهة مع جماعة ذات وجود معقد.

واعتبر المراقبون أن التقرير عمل على تجنب إثارة الضجة الإعلامية والسياسية وسمح للدوائر الحكومية المعنية بالعمل على بدء تفكيك الأخطبوط بعيدا عن الأضواء.

ومنذ تكليف السفير جينكينز بالاشتغال على التقرير، بدأت مفوضية الجمعيات الخيرية البريطانية مباشرة التدقيق في أموال الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان والجماعات المتشددة الأخرى.

وتمثل الجمعيات الخيرية خطرا على الأمن أكثر من الأنشطة الدعائية أو الدعوية المحرضة على التشدد، لأن تلك الجمعيات تستغل عملها الخيري منصة لترويج الأفكار خاصة لدى فئة الشباب، وتطلق حملات تجنيد وتحويل أموال يفترض أنها مخصصة للأعمال الخيرية لتمويل نشاطات إرهابية، أو لدعم تنظيمات تحوم الشكوك حولها، مثلما جاء في بيان لمفوضية الجمعيات الخيرية.

ولا شك أن تتبع كيفية صرف أموال الجمعيات الخيرية سيفتح عيون الرقابة البريطانية على الشبكات السرية للإخوان التي لا تقف عند استضافة الهاربين من قيادات إخوانية شرق أوسطية وتسهيل حصولهم على التأشيرات وتوفير مستوى عيش راق لهم، وعقد اجتماعات تنظيمية على مستوى عال حتى أن كامرون شعر بالغضب عندما التقى قادة الجماعة في لندن منذ أكثر من عام دون علم المخابرات البريطانية.

وستجد الرقابة أن أموال الإخوان تسير في اتجاهات ملتوية ومن الصعب الكشف عن كل تفاصيلها، فهي تشمل المساجد ووسائل الإعلام والأنشطة الشبابية والعقارات، فضلا عن المنظمات المعروفة التي تتولى التأثير على أبناء الجاليات العربية والإسلامية والتي تتبرأ في العلن من أيّ علاقة مع الجماعة، لكنها تقيم علاقات متطورة معها في السر، وهو ما اعترف بوجوده التقرير.

ووفقا للتقرير، فإن المجلس الإسلامي في بريطانيا، وهو مؤسسة يندرج تحت مظلتها أكثر من 500 هيئة إسلامية يعتقد أن مؤيدي الإخوان “لعبوا دورا هاما في إدارته”.

والمثير للاستغراب أن بعض هذه المنظمات (رابطة مسلمي بريطانيا) التي تقول إنها تعمل على دمج أبناء الجالية في المجتمع، لم تخضع موادها التعليمية لأيّ تحديث وما تزال تردد أفكار سيد قطب وحسن البنا التي تحث على العنف.

وقال التقرير الصادر عن اللجنة إن البنا “سهّل ممارسة العنف السياسي، وأمر طوال حياته بشن هجمات تضمنت أحيانا اغتيالات ومحاولات اغتيال لمسؤولين مصريين ومصالح بريطانيا واليهود”.

وما يثير قلق الإخوان من التقرير أنه قد يقود إلى فتح الأعين عن الشبكات المترابطة للجماعة في أوروبا وإثبات وجود علاقة تنظيمية بينها وبين التنظيم الدولي للإخوان، وهو ما يعطي مصداقية لمخاوف مصر وتحذيراتها المستمرة للأوروبيين.

وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن هذا التوجه حين أكد “تعزيز ترتيبات الاتصال مع الشركاء الدوليين لضمان التحقيق بدقة في أيّ مزاعم تتعلق بتمويل غير مشروع أو إساءة استغلال الهيئات الخيرية واتخاذ الإجراء المناسب”.

وتدعم الخطوة البريطانية ما سبق أن أعلن عنه رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس في فبراير الماضي من أنه ينبغي “مكافحة خطاب الإخوان المسلمين في بلادنا” في سياق التصدي للجماعات المتشددة التي تتولى استقطاب الشبان الفرنسيين وشحنهم بالأفكار المتطرفة ثم تدفع بهم إلى الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا والعراق.

وبدأت الولايات المتحدة تتحدث بدورها عن فكر إخواني متطرف أو فكر يدفع للتطرف بدلا من الحديث عن متطرفين في المطلق، وهو ما يعني أنها بدأت تلامس عمق الأزمة، أي أن التطرف لا يولد مسلحا، بل هو نتاج لفكر متطرف يحث الشباب على العنف، وهذا ما أسست له أدبيات جماعة الإخوان ولم يقع عليها أي تحديث أو مراجعة تلائم بينها وبين القيم الغربية.