غازي دحمان يكتب: عصفورية دولية.. زعماء فقدوا عقولهم



غازي دحمان

غريب سؤال جيري ساينفيلد مقدم برنامج “كوميديان في سيارة” الرئيس الأميركي باراك أوباما، “كم عدد زعماء العالم الذين فقدوا عقولهم تماما في رأيك”؟ لم يكن ثمّة سياق منطقي يوجب طرح السؤال، فعدا عن أن البرنامج ليس سياسياً وأكثر ميلاً إلى الكوميديا، فإن مسار الحلقة تركّز على قضايا شخصية، تتعلّق بسلوك أوباما الشخص، وليس الرئيس، وردة فعله تجاه الأحداث العادية. لذا، بدا السؤال نافراً وخارجاً عن سياق الكوميديا، بل وحتى مرعباً، لكونه يفتح المجال أمام سيل من التداعيات حول مصير هذا العالم الذي يحكمه زعماء فقدوا عقولهم؟
الأكثر رعباً من سؤال ساينفيلد، والتداعيات الذهنية التي يرتبها، كانت إجابة أوباما “نسبة كبيرة جداً”! فقد مثّلت هذه الاستجابة، على الرغم من عفويتها وسرعة الإدلاء بها، استسهالاً للأمر، ذلك أن الزعماء ليسوا أشخاصا عاديين، حتى يشكّل فقدان عقولهم مجالا للتندر، وليس البرنامج التلفزيوني المكان الأنسب للاقتراب من هذه المشكلة التي يُفترض أن تشغل اهتمام دوائر صنع القرار ومراكز البحث والتقدير، فالأمر ليس بالسهولة التي يمكن تصوّرها في ظل وجود مجانين سائبين، يحكمون بلداناً مدجّجة بأسلحة الفناء، ويتحكمون بمصائر شعوب وأمم؟
وقد شهدت فترة إدارة أوباما أكبر نسبة من الزعماء الذين فقدوا عقولهم، الروسي فلاديمير بوتين، الكوري كيم إيل سونغ، الإيراني علي خامنئي، السوري بشار الأسد، المصري عبد الفتاح السيسي. ويمكن وصف فترة رئاسة أوباما بأنها مرحلة ازدهار الجنون عالمياً، حيث لم يصدف ظهور واجتماع هذه النسبة من الزعماء المجانين في فترة واحدة، ولكل منهم تعبيرات جنونية متنوعة، ذات تاريخ كادت البشرية أن تصل إلى مرحلة الفناء، حين كان هناك اثنان فقط من المجانين حكما دولا وشعوباً، الفوهرر أدولف هتلر والدوتشي موسوليني، فكيف بالعالم يموج بثلة من الزعماء أصحاب الألقاب الخلاصية القطعية، القيصر والمرشد والزعيم والقائد الأمل والرئيس الضرورة؟
وللإنصاف، لم يفقد غالبية زعماء العالم المذكورين عقولهم فجأة، بل يثبت الحفر في تاريخ جنونهم أنهم كانوا منضبطين إلى حد ما في مراحل سابقة، بل ثمّة ما يثبت أن مساحات التخلي عن المسؤولية والفراغات التي أحدثتها إدارة أوباما على مستوى مسؤوليتها الدولية، وعلى مستوى جغرافية انسحاباتها كانت الصدمة التي رفعت مستوى الجنون عند زعماء كثيرين، إلى درجةٍ أربكتهم، وسرّعت في فقدان عقولهم، ذلك أنهم واجهوا دفعة واحدة متغيراتٍ، لم تكن في حسبانهم أبداً، فهل كان يخطر ببال بشار الأسد أن يعربد على الشعب السوري بالكيماوي، وأمام بصر العالم وسمعه وينجو؟ وهل خطر ببال المرشد الإيراني أن يدمّر أربع عواصم عربية، ويفاخر على المنابر بهذه الفعلة، من دون أن يرف للعالم جفن؟ وهل توّقّع بوتين أن يهدّد قلب أوروبا، ويحوّل بلداناً كبرى على حدودها إلى حالة الفشل، ويمر الأمر هكذا من دون تحرك دولي فاعل ضده؟ وهل كان جنرال عادي، بحجم السيسي، يقدم على وضع مصر على حافة القلاقل والخطر، ويدمّر تجربتها الديمقراطية التي كانت بمثابة أمل لقارة وأمة، ويعبر على جثث معتصمين سلميين إلى السلطة، من دون أن يسأله أحد في المجتمع الدولي؟
أوجدت إدارة أوباما، بطريقة إدارتها أزمات العالم، المناخ المناسب لظهور هذه النزعات الجنونية في العالم، وأوجدت المحفزات الدافعة لهذه الظاهرة بقوة على مسرح السياسة الدولي، وأشعلت الطموحات الكامنة لدى قادة عاديين سيتحولون زعماء فالتين يهيمون استباحة بما ملكت أيديهم من شعوب، وأولئك الذين أنهكتهم سياسات طائشة ومخربة، زعماء حائرون بكيفية تصريف فائض الجنون المتراكم لديهم، والذي يفوق طاقتهم على تصوّره. وقد أسست إدارة أوباما لهذا الجنون في التسويات التي عقدتها، والتفاهمات الضمنية والصفقات من تحت الطاولة، أسست لهذه الظاهرة، وكرّستها عبر تسويات قانونية، كالاتفاق النووي مع إيران، وقرار مجلس الأمن الخاص بسورية، والتفاهم مع بوتين حول مصير الأسد.
ولم تكن تصرفات أميركا نفسها سوية، عندما دمّرت دولاً وكيانات، وعندما انسحبت وتركت فراغاتٍ، من دون إجراء الترتيبات المناسبة واللازمة، حين ساومت على الوظيفة والدور الذي منحها لها العالم، في العقود الأخيرة، وحينما فاضلت بين وجودها في الشرق الأوسط ووجودها في المحيط الهادي، بناء على حسابات الربح والخسارة، من دون أي اعتبار لمصائر شعوب وجماعات، تركتها للأقدار، بعد أن أسهمت في إضعافها.
نعم. لم يكن العالم يحتاج لكشف أوباما، وفي برنامج ساخر، أن نسبة كبيرة من الزعماء فقدوا عقولهم. كانت شعوب كثيرة قد عاينت هذا الأمر بلحمها الحي. وهل ثمة أكثر من أن يعبر القيصر عن غبطته أمام العالم أن سورية توفر له ميداناً رخيصاً لتدريب قواته على قتل البشر، وفي وضعيات عديدة، وهم يحملون أطفالهم، هاربين أو مختبئين في منازلهم أو حتى نياماً؟ ربما السؤال الأكثر إلحاحاً هو الذي يستدعيه اكتشاف أوباما هو ما دام هناك هذه النسبة الكبيرة من الزعماء الذين فقدوا عقولهم، فما الحاجة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؟ أليست العصفورية أكثر جدوى وضرورة؟
المصدر : العربي الجديد

أخبار سوريا ميكرو سيريا