2016 … بظلال رمادية


سمير السعداوي

اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقييم العام 2015 المنقضي، باستعادة نكتة روسية قديمة مفادها بأن صديقين يلتقيان بعد انقطاع، ويسأل أحدهما الآخر عن حاله فيجيب الثاني: «عادي، الحياة مكونة من خطوط سوداء وبيضاء، خط أسود يليه خط أبيض»، فيسأله الأول: «وعلى أي خط أنت الآن؟» فيرد: «انا على الخط الأسود». وبعد مرور فترة يلتقي الصديقان، ويسأل الأول الثاني مجدداً: «كيف حالك؟ على أي خط أنت الآن؟» فيجيبه الآخر:»انا على الأسود». فيستغرب السائل ويقول: «كيف يمكن أن يكون أسود، كنت على الخط الأسود منذ نصف عام؟»، فيجيبه الثاني: «لا، اتضح أن الخط آنذاك كان أبيض»!

فسّر المحللون الروس مغزى استعادة هذه النكتة بأن بوتين يريد القول ان الوضع في العام المنصرم كان يبدو سيئاً، الى ان اتضح مع مرور الوقت أنه كان جيداً مقارنة بما أتى بعده… وبمعنى آخر: «ربّ يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه».

اما دوائر الكرملين فتمسكت بالجزء الأول من الرواية لتؤكد انه طالما ان كل سواد يليه بياض، فإن روسيا ستكون في وضع افضل وأقوى مما كانت عليه.

لكنْ ثمة جانب آخر في تفسير هذه النكتة – الحكمة، وهو ان لا بياض تاماً ولا سواد بالمطلق. وبين الناس، كما في المواقف، يستحيل الجزم بأن هناك من يمتلك حقيقة كاملة، الا بالنسبة الى المؤدلجين الذين يرفضون النظر الى الجانب الآخر، والمنطق المخالف. وأيضاً ليس هناك بين البشر من لا تختلط عليه الأمور، فيرى فيها سواداً مطلقاً، او بالعكس، في حين ان الواقع رمادي ولطالما كان كذلك. والحقيقة ربما تكون اقرب الى مقولة جبران خليل جبران: «لولا السواد لكان البياض أصمّ، ولولا البياض لكان السواد أعمى».

ودّع الجميع العام 2015 غير آسفين عليه، منهم من ينظر بتشاؤم الى 2016 باعتباره لن يكون افضل من سابقه، ومنهم ايضاً من سمح لنفسه بالاستسلام الى شيء من التفاؤل، متمنياً ان يكون الآتي افضل، وهذا ينظر الى الجزء الممتلىء من الكأس وذاك الى الجزء الفارغ.

والقراءة الموضوعية تقتضي العمل بمقولة الأعجم في «لاميته»: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، وهذه ليست وجدانية مفرطة، بل واقعية صرفة، فلولا نزعة الناس الى العيش والتلاقي وتغليبهم السلم على الصراع، لانقرضوا منذ زمن بعيد.

في القراءة الواقعية، فإن ما يمكن توقعه من العام الجديد، لا بد ان يكون مبنياً على تحليل علمي، وبالتالي فإن 2016 يشكل استمرارية لأحداث العام السابق، اما الظواهر النافرة فهي آيلة الى زوال لا محالة، ومن أبرز تلك الظواهر التطرّف المتفلّت من أي عقال، والذي إذا انحسر في مكان وتمدّد في آخر، فإن استمراره مستحيل، ولعل تلك قناعة راسخة لمن يعرف تاريخ المنطقة جيداً… بتعدّديتها وتنوعها وانفتاحها.

قد تنحصر هموم «القارة العجوز» في اتباع براغماتية كفيلة بالحد من تدفق اللاجئين إليها، وقد يناور بعض العواصم المجاورة ويعيد تموضعه على المسرح السياسي، وللأميركيين ان ينتخبوا من يشاؤون من الرؤساء، فإن ذلك لا يحدث فارقاً في سياستهم، اما موسكو فلا تبدي أي استعداد للتراجع امام ما تصفه بـ «تهديد اميركي – اطلسي للأمن القومي الروسي»، كما ورد في استراتيجية أمنية وقّعها بوتين ليلة رأس السنة. كله استمرارية لعناوين يستحيل لونها رمادياً… ولو كتبت بدماء على ورق مبلل بالدموع.