on
ثغرات في الحرب على داعش
- د. محمد عاكف جمال – البيان
لكل حرب أجل معين، طوله أو قصره يعتمد على قدرات الأطراف المشاركة فيها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على الاستمرار في خوضها، هكذا تعلّمنا دروس التاريخ، إذ لم تستغرق الحرب العالمية الثانية أكثر من ست سنوات لتضع أوزارها. الحرب على الإرهاب لا تزال قائمة في منطقة الشرق الأوسط وتزداد شدة منذ خمس عشرة سنة..
وذلك لأن الرؤية لتحقيق السلم لا تزال قاصرة عن إدراك الأسس التي ينبغي أن يرسو عليها النظام الإقليمي.
ففي الوقت الذي تتوسع فيه التحالفات لمحاربة تنظيم داعش يوسع التنظيم هو الآخر من نطاق عملياته، فقد أسقط طائرة روسية فوق مصر ونفذ هجوماً انتحارياً في لبنان ونظم عمليات خطيرة في تونس وفرنسا وتسبب في إلغاء وتقليص احتفالات رأس السنة في عدد من الدول في أوروبا. خلاصة القول إن خمسة عشر عاماً من الحرب على الإرهاب قد فشلت في التصدي له.
الحرب على داعش شديدة الترابط بأزمات المنطقة واحتقاناتها السياسية والمذهبية الحادة الآخذة بالتصاعد على الرغم من أن هذه الحرب محصورة في الوقت الراهن في الساحتين العراقية والسورية إلا أنها مرشحة للانتقال إلى ساحات أخرى في المنطقة وفي الشمال الأفريقي خاصة بعد أن أصبح الانتماء للمكونات أكثر وضوحاً من الانتماء للأوطان.
الولايات المتحدة تمتلك خيارات أكثر من غيرها في مواجهة تنظيم داعش كزيادة الموارد المالية المخصصة لهذه الحرب أو زيادة المساعدات للقوات المقاتلة على الأرض أو إرسال قوات برية أو تسليط الضغوطات على دول أخرى في المنطقة للحد من تدفق المقاتلين الأجانب.
إلا أنه عند تقييم جدارة أي من هذه الخيارات ينبغي أن لا تؤخذ فقط هزيمة داعش معياراً لذلك وإنما مدى إسهام هذا الخيار في تحقيق الاستقرار على الأمد الطويل.
هناك ثغرات عدة في خطط الحرب على هذا التنظيم إلا أن أبرزها غياب إستراتيجية واضحة للحرب ولحقبة ما بعد الحرب خاصة لدى الدول التي لها مشاركة فاعلة فيها.
فأهداف وسيناريوهات الحرب على هذا التنظيم لم تعد بعيدة عن مسارات الصراعات الدولية وخصوصاً بين روسيا والولايات المتحدة خاصة بعد أن صادق الرئيس الروسي على «إستراتيجية الأمن القومي الروسي» التي ورد فيها أن حلف الناتو الذي تتزعمه الولايات المتحدة أبرز تهديد لهذا الأمن.
على الجانب العملياتي رغم كثرة عدد الدول المشاركة في الحرب على التنظيم إلا أن هناك عاملاً جوهرياً ينقصها، فالنجاح في هزيمته يتطلب توافر ما يكفي من القوات البرية، فالعمليات العسكرية ضد التنظيم تقتصر على الضربات الجوية عدا الساحة العراقية التي يجري فيها قتال التنظيم جواً وبراً ..
والتي تحقق فيها أخيراً انتصارات قلصت من نفوذ داعش بعد تحرير قضاء سنجار من قبل قوات البيشمركة وتحرير مدينة الرمادي من قبل الجيش العراقي، ففي سوريا لا توجد عمليات برية تذكر في قتال داعش سوى ما تقوم به قوات حماية الشعب الكردي في مناطق محدودة شمال سوريا.
الخطة الأميركية لمحاربة تنظيم داعش التي أعلن عنها الرئيس الأميركي في نوفمبر 2014 هي «احتواء وتدمير» معتمداً في إنجاح هذه الخطة على الضربات الجوية والعمليات النوعية التي تقوم بها القوات الخاصة التي تستهدف قيادات التنظيم وتقديم المساعدات العسكرية والاستخبارية للقوات المحلية الحليفة لها التي تقف في مواجهة داعش.
إلا أن الملاحظ هو أن الولايات المتحدة، الدولة الأكثر انشغالاً بمحاربة داعش، لا تتجاوز خططها قضايا تكتيكية لإضعاف التنظيم، فلدى إدارة الرئيس أوباما خشية من وضع إستراتيجية بعيدة المدى لمحاربته رغم أن بعض إستراتيجييه يتحدثون عن حرب طويلة.
فهي لا ترغب في إلزام نفسها بحرب طويلة قد تكون بلا نهاية وقد تقود إلى إغراقها في اشتباكات مكلفة تتنقل فيها من مستنقع إلى آخر من غير ضمانة للنجاح، كما حدث في حربها على أفغانستان والعراق.
فلم تعد إدارة الرئيس أوباما راغبة في خوض حروب بدافع الرغبة في تحقيق رؤى وأحلام كبيرة في نشر مبادئ الحرية والديمقراطية بعد أن انهارت أحلام سلفه في حربي أفغانستان والعراق. فقد صرح أوباما في الثاني عشر من نوفمبر المنصرم قبل هجمات داعش في باريس بتسع ساعات لمحطة أي بي سي الإخبارية قائلاً «كان هدفنا منذ البداية هو «الاحتواء» أولاً وقد تم ذلك فعلاً».
وهو تصريح جدير بالتوقف عنده لأن الرئيس قد أسقط «التدمير» الذي تحدث عنه قبل عام كهدف للحرب على داعش. هذا التصريح واجه الكثير من الانتقادات والتشكيك بصحة قراءة الرئيس الأميركي لأحداث المنطقة، فهو ينظر إليها من زاوية ضيقة ويعتبر توقف التمدد الجغرافي لتنظيم داعش في العراق وسوريا بأنه احتواء للتنظيم.
والحقيقة أن سياسة الرئيس أوباما التي تتسم بالحذر والتردد في اتخاذ قرارات حاسمة إزاء داعش تلقى الكثير من النقد ليس من قبل الجمهوريين فحسب بل من داخل حزبه كان آخرها النقد المستتر في تصريحات هيلاري كلينتون بعد هجمات باريس «لقد حان الوقت لبدء طور جديد وتكثيف جهودنا وتوسيع نطاقها لسحق ما يسمى دولة الخلافة».
التوقف عند الإطاحة بتنظيم داعش ينبغي أن لا يكون الهدف من هذه الحرب، بل بناء نظام إقليمي فيه من الضوابط ما لا يتيح الفرصة لأفكار مثل أفكار التنظيم، وهي موجودة في المنطقة، بالانتعاش والعودة مجدداً للعبث بالأمن والسلم فيها.