أنا وناجي والقرية النصيرية ” فريتان “
11 يناير، 2016
الاتحاد برس – مازن اسماعيل
لم يدم على خروجي من السجن سنة 2013 سوى أيام حتى عاد الأمن والشبيحة يطاردوني من مكان إلى آخر حيث كانت الظروف صعبة للغاية والوضع حرج جدا مع الأصدقاء الذين جهدوا لتأمين مكان آمن ألجأ إليه وما إن تم اعتقال بعضهم حتى امتلكني شعور لايوصف بالمسؤولية رغم جسارتهم وجسارة ذويهم وهم يحدثوني دائما أن الثورة ليست حكرا على أحد وعلى الجميع أن يتحمل ويصبر ويضحي .
أذكر حينها حقارة الوضع الأمني في المدينة وما حولها فليس هناك طريق أسلكه كي أخرج منها وكنت أفضل الموت على أي اعتقال آخر
تكثر التفاصيل والطرق التي حاولت من خلالها الهروب دون جدوى وربما تحتاج تلك الذكريات القاسية الكثير الكثير من الحروف لصياغتها والأهم أنها تحتاج لكؤوس من العرق وأنا الآن أتابع نصائح الطبيب وأكتفي بقليلٍ منه كي أكتب.
مع مرور الأيام وقسوتها تمكن أحد أصدقائي من مساعدتي وجاء يقول لي : لا عليك غدا صباحا سوف نهرّبك خارج سلمية شرقا عن طريق جبهة النصرة
كان جوابي نعم دون تردد المهم أن أخرج من هنا و أصل إلى تركيا وخاصة أن صيقي كان واثقا منهم ويتكلم بطريقة مريحة جدا ولم يكن أمامي أي خيار آخر حيث النصرة تسيطر شرق سلمية مع بعض كتائب من الجيش الحر كهيئة حماية المدنين التي يقودها العقيد فاتح حسون ضمن معركة مايسمى قادمون
بالفعل في اليوم التالي خرجت مع أحدهم وتوجهنا شرق مدينة سلمية ضمن طرق زراعية حتى وصلنا إلى منطقة خارج سيطرة الحواجز التابعة للنظام ليظهر أمامنا فجأة 4 عناصر يلبسون الزي العسكري وعلم الثورة يعبق من حولهم
كانت سعادتي لاتوصف وأنا أراهم وخاصة حين علمت أنهم من الجيش الحر وباتوا يعاملونا بطريقة غير مريحة والسبب أن الشاب الذي هرّبني قال لهم نحن من جبهة النصرة
حاول أحدهم أن يستفسر مني كيف أكون من جبهة النصرة وأنا من سلمية , التزمت الصمت معه والغصة بدأت تأكل أجزاءا من وجهي ورحت أحاول تغير ملامحي دون جدوى في حين كنّا جميعا ننتظر قدوم سيارات جبهة النصرة لـتأخذنا لمكان ما
بعد أقل من ساعة وصلت سياراتان تحمل أعلام النصرة ليخرج منها شخص علمت لاحقا أنه من ريف حماه الشمالي ويدعى أبو يعقوب وبدأ يصرخ وين مازن اسماعيل , رفعت يدي وقلت له أنا مازن فردّ ضاحكا أهلا وسهلا الحمدلله على السلامة تفضل معنا يا أخي
ركبت معه في السيارة وكان فيها 3 مهاجرين كان شعوري الخانق لا يوصف وأنا أرى لأول مرة بأمّ العين علم القاعدة يرفرف أمامي ومن حولي وزاد الموقف صعوبة وجود المهاجرين معي في نفس السيارة التي كان يقودها المدعو ” أبو يعقوب ”
سألته إلى أين وجهتنا قال إلى الأمير أبو عبدالله المصري ,آثرت الصمت دون جواب , وعاد ليقول أستاذ مازن :
رح أخدك تشوف ضيعة محررة من ضيع سلمية قبل ما نروح لعند الأمير
علمت عندها أن هذا الرجل لا يعلم عني شيء وأنه يريد أن يفرحني كما يعتقد برؤية ضيعة محررة وكأنني أول مرة أخرج خارج مناطق النظام وتأكدت أنه مرتاح لي بناءا على توصية ليس أكثر
بالفعل اتجهنا إلى ضيعة قريبة ونزلنا من السيارة حيث مشى بقربي شاب مهاجر يدعى رضوان فرنسي من أصل جزائري وقال لي هذه الضيعة نصيرية لقد دخلناها فاتحين وتمكنا من أهلها والحمدلله كان اسم الضيعة ” فريتان” اكتفيتُ بهزّ رأسي وتذكرت محادثتي مع ناجي الجرف قبل أن أخرج من سلمية عندما تحدثنا طويلا على الفيس بوك وأنا أخبره أني قادم إلى تركيا وقال لي وقتها عندما تمر بفريتان سترى قبر جدي سّلم عليه
لم أكن أعلم أنني وناجي بنظر هؤلاء نصيرين أو اسماعيلين أو سنّة كل ما أعلمه أنني وناجي نكره هذا التوصيف لدرجة أننا نمازح بعضنا في أكثر من موقف مع العديد من أصدقائنا العلويين الأحرار بكلمة يلعنك نصيري ..
لقد هزّني ذاك المهاجر القادم من ما وراء البحار ليس لأنه لا يعرف شيئا عن جفرافيتنا فحسب بل لأنه أرادني أن أشاركه الجهل و التحرير المزيف بهزّة الرأس.
لا يسعني الآن كما أسلفت أن أسرد ما جرى بعد لقاء الأمير المبجل وكم من الوقت والحوادث مرت معي هناك ولكن لابدَ من وصف ضحكة المرارة التي رأيتها في وجه ناجي وأنا أحدثه في تركيا ما جرى معي في فريتان حيث قبر جده
فعندما كتب ناجي :
“لوقت قصير كنتُ أحلم بقبر صغير يغمرني على تلة لطيفة بقرية اسمها فريتان شرق مدينتي السلمية بالقرب من قبر جدي ..اليوم حتى هذا الحلم أمسى بطرا وترفا”
كان يعي ما جرى معي تماما ونتفق على عبارة رافقتنا حتى اللحظة :
هذا ما جناه علينا الأسد وما جنينا على أحد